22/12/1995 كلمة رئيس المؤسسات المهندس سعد الدين حسن خالد أيها الأخوة العزاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهلاً وسهلاً بكم جميعاً في مؤسسة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد للتربية والثقافة حول موضوع في غاية الأهمية « دور المواطن في لبنان في المحافظة على لغة القرآن الكريم». أيها السادة، اللغة غياب الأشياء كل شيء يهاجر إلى اللغة يسكن فيها ثم يموت، ليحيا عالم آخر يضاف إلى الخليقة. اللغة كلمة أصلها حادثة، فصوت، فصورة من حروف وكل حروف قرية والكلمة مدينة، لمجتمع هو التعبير. قد يفقد الإنسان مكاناً يستقر فيه، ولكنه ساعة يمتلك لغة فقد أمتلك الوطن الحقيقي، وطناً زمنياً يسيطر على المكان أي مكان وبتوليه، من هنا قيل «كل لسان في الحقيقة إنسان » ومعنى ذلك تمدد الوطن بمقدار تعدد الألسنة التي يتقنها الشخص. إن الأشياء، تتحدى اللغة فتجيء اللغة إليها وتسلبها وجودها وتعطيها هوية جديدة بها تجتاز مكانها وزمانها فتكون اللغة هي المتحدية وهي وحدها مالكة الحضور في الزمن. فهي وحدها وجود، وهي الكلمة وإنها الكل. « وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ، قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ، قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ » سورة البقرة – آية 31 -32-33). الأشياء موجودة جميعها من قبل، ولكل شيء في مدى الأرض ومدار الفلك اسم، والذي كان، وما هو كائن، وما سيكون، مرقوم، مصنف على أدق تسجيل، وأجمل تنسيق. إن اللغة العربية في عصرنا هذا تجتاز دوراً خطيراً يختلف عن جميع الأدوار التي اجتازتها حيث أن ضرورة الحياة تفرض عليها أن تتفتح في أبعاد مختلفة لم تكن تحتاج إليها سابقاً. إذ من المسلم أن المجتمع يتطور أدواته واللغة إحدى هذه الأدوات وهي الوسيلة الوحيدة التي تقدر أن تعبر عن شعور أبناء المجتمع على اختلاف أبعاده في الضيق والاتساع. إن نطاق اللغة العربية قبل الإسلام كان ضيقاً لأن المفاهيم التي تعبر عنها كانت محدودة فكان الأدب عامة صورة للحياة الاجتماعية التي كانت خالية من النظر العميق إلى الحياة وفلسفتها فلم يكن الأدب العربي أكثر من سجل تاريخي بالنسبة للأمة العربية ومدرسة اللغة العربية، ومع انتشار الإسلام أخذت اللغة تنتشر مع الدين إلى آفاق أبعد من الجزيرة العربية وبدأت تصطدم كالعقيدة سواء بسواء بأجواء غربية ولغات أخرى، ولم يمض عليها أكثر من قرنين حتى قضت على بعض اللغات واستفادت من بعض وبلغت إلى مستوى ثقافي استطاعت أن تعبر عن أي مفهوم من المفاهيم من الأدب والتاريخ والفلسفة والطب وغيرهم من العلوم. واليوم وبعد ما مضى على هذا التفتح قرون فقد جد بنا الأمر وأصبحت اللغة تواجه المشكلة نفسها التي واجهتها في القرن الأول من الهجرة حيث وقفت على مداخل الحضارة الغربية تستجدي منها ما هو صالح لحياتها جزاءً ما ارتكبنا من الجريمة على حضارتنا الإسلامية قصوراً أو تقصيراً. أهلاً وسهلاً بكم مرة ثانية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |