بسم الله الرحمن الرحيم صاحب السماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني. معالي وزير العدل الأستاذ بهيج طبارة ممثل دولة رئيس مجلس الوزراء. فضيلة ممثل سماحة رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, رمضان شهر الخير والمحبة والتلاقي , ومن خير رمضان أن نتلاقى كل عام في مثل هذه الأيام المباركة , نتلاقى على موائد الخير , موائد الرحمن , لا لنشرب ونأكل الطعام فحسب , فالله سبحانه وتعالى, ليس بحاجة لآن يترك المؤمن طعامه وشرابه, وإنما أراد شهر رمضان أن يكون شهر الطاعة والخير وصلة القربى , شهر الإيمان ووحدة الصف والكلمة, وفرصة التضرع الى الله, والتقرب إليه بالعمل الصالح, فنذكر اخوة لنا في الدين والوطن, منهم الفقراء والأيتام والمساكين,ونتقرب إليه سبحانه وتعالى من خلالهم فنقدم لهم زكاة أموالنا وصدقاتنا لتكون كما أرادنا الله أسرة واحدة في مجتمع متكامل في السراء والضراء. الحمد لله على نعمة هذا الشهر المبارك الذي جمع القلوب, ولملم الشمل, وحقق آمال المسلمين باجتماع قادتهم وعلمائهم على قلب رجل واحد بانتخابهم لسماحة الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني ليكون مفتيا للجمهورية اللبنانية , وبذلك تأكد دور المسلمين التاريخي والحضاري في هذا الجزء من الوطن العربي وليكمل المسيرة بالتعاون مع المرجعيات الدينية وإخوانه العلماء الأجلاء, سائلين المولى عز وجل أن يهيئ له البطانة الصالحة لتكون سندا له في تحمل مسؤولياته الإسلامية والوطنية , ورحم الله المفتي الشهيد الذي اختار فأحسن الاختيار فرأى في سماحته العلم والتقى والصلاح وما أجمل أن يتكامل الصلاح والتقوى مع العلم والأخلاق وقوة الإرادة وصلابة الموقف والوفاء , ونحن على يقين بأن هذه صفات مفتينا الجليل, ونسأله تعالى أن يعينه على أخذ المواقف الصائبة التي تصب في مصلحة المسلمين والوطن. أيها السادة: في كل عام نلتقي لنتذاكر في آمالنا وآلامنا , فمسيرة بناء الدولة ومؤسساتها تسير في خطى واثقة ومسيرة الأمن قطعت أشواطا متقدمة لا بأس بها, وتحصين الجبهة الوطنية وتنمية الاقتصاد وحماية العملة الوطنية مرت باستحقاقات كثيرة وصعبة, وخرج منها الوطن معافا ومتماسكا, وبناء الإنسان المقاوم في الجنوب يتكامل مع النهوض الوطني حيث تتم إعادة بناء الوطن وخصوصا في بيروت بتواصلها مع بقية المناطق اللبنانية , ومع ألأمه العربية والعالم من خلال الطرقات الواسعة, والأنفاق والجسور, والمرافىء الحديثة, كلها مؤشرات إيجابية تجعلنا نستعد للتحديات المستقبلية التي يمكن أن تواجه هذا الوطن, ولكن , وعلى الرغم من هذه الإيجابيات التي أنجزها الحكم والحكومة خلال السنوات الاقتصادية العجاف فان آلام المواطنين الذين نكاد نسمع أنينهم, ونلتمس حاجاتهم لقلة الموارد, وفقدان فرص العمل وزيادة الأقساط المدرسية وفقدان الضمان الصحي الناجح, وغلاء المعيشة, كلها أمور تدعونا لإعادة النظر في أولوياتنا, فالبناء لا بد أن يتكامل ما بين البشر والحجر معا, والشأن الاجتماعي لا بد أن يكون من أولويات اهتمامنا, فالأوطان لا تبنى الا بالإنسان المتمسك بأرضه ووطنه, وهذا لا يمكن أن يكون الا بتنشيط المؤسسات الأهلية الناشطة ودعمها, لتكون سندا للدولة ومؤسساتها, خاصة بعدما أثبتت جدارتها في ضمان تماسك المجتمع وصموده, وبناء الأوطان لا يمكن أن يتم الا بالاحتكام الى المؤسسات, بحيث تأخذ كل مؤسسة دورها, ونخرج الى الأبد من صيغ الترويكا والدويكا وغيرهم من الصيغ المصطنعة التي تهدر كل ما يعود بالنفع على المواطن وتغرقه في أمور تافهة لا نفع منها . فالفصل بين السلطات بات اليوم حاجة وطنية ,لأننا نريد أن نبني وطنا خاليا من العقد المذهبية والطائفية , وطن الكفاية والعدل والمساواة والتوازن بين المناطق, في الإنماء والعلم والخدمات, فالعدو الإسرائيلي لا زال يتربص بنا الدوائر, ويتحين بنا الفرص, فلنسد الثغرات ولنبني المؤسسات القوية القادرة على مجابهة التحديات, فالمواطن لا يستطيع أن يتحمل فوق همومه خلافات على مصالح ومغانم بين من بيدهم الأمر, وإنما يريد أن يرى بأن مسيرة الإنماء والاعمار مسيرة بناء الدولة تسير في اتجاه سليم, وهو على استعداد لأن يتحمل ويصبر, ليعيش مستقبلا مع أبنائه وأحفاده, مواطنا يحفظ له الوطن كرامته وحقوقه الاجتماعية والأسرية والصحية ويحفظ شيخوخته ومستقبل أبنائه. والمشكلة أيها السادة, ليست في نظامنا الديمقراطي, ولا في حريتنا, ولا في تنوعنا الثقافي ولا في قدراتنا المادية, وإنما المشكلة كل المشكلة في الممارسة والتطبيق , فالميثاق الوطني الذي أقر في وثيقة الطائف, كان بداية لأن يعاد النظر في مسيرة بناء الدولة بالتوافق بين كافة شرائح المجتمع, وكان مؤشرا واضحا وجليا وآن لنا بعد كل هذه الاستحقاقات أن نبني لأجيالنا بعقل منفتح وبروح وطنية صافية وطنا مؤمنا بدوره العربي الحضاري وطن المؤسسات ,لا وطن الأشخاص وطن العدالة لا أوطان المذاهب , وطنا ننتمي إليه جميعا نتخلى فيه عن ذواتنا ومصالحنا. أيها السادة أننا نعيش لحظات حرجة من تاريخنا, فالحلم التوراتي لا زال يدغدغ الفكر الصهيوني , والترهل والانقسام العربي لا زال هو المهيمن والمغذي لتلك الأفكار التوراتية, ولبنان وسوريا, هما البلدان الوحيدان, المتكاملان في مجابهة الحلم التوراتي, ومن هنا فان وحدة المسارين اللبناني والسوري, وتحصين وحدتنا الوطنية وبنا المجتمع المقاوم فكريا, وسياسيا واقتصاديا, من عوامل الصمود في مجابهة التحديات وما أكثرها, ونحن في بداية القرن الحادي العشرين حيث لا قيمة ولا كرامة , الا للتكتلات السياسية والاقتصادية الكبرى ولتكن وحدة المسارين اللبناني والسوري نواة للتكامل العربي الذي نتمنى أن يتحقق ببركة شهر رمضان المبارك. أيها السادة, نلتقي بكم كل عام, وأملنا كبير في أن نحقق طموحاتنا, لبناء ما نصبو إليه من مرافق ومؤسسات نساهم في إنماء مقدرات الإنسان اللبناني في هذا الوطن الذي تعتز به. ومن هذا المنطلق , فاننا نشعر أنه بالتعاون معكم سنساهم في مسيرة السلم الأهلي وتحصين المجتمع المدني , فمؤسسة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد هي جزء من هذه المسيرة التي نحرص عليها, ودعمكم لها هو جزء من دعم النهوض الوطني, لأننا بالتعاون مع أخوة لنا نعمل لنبني , ونلتقي لنتدارس الوسائل الأنجح في دعم هذه المسيرة , ونحن على يقين بأن الكثير من المؤسسات الاجتماعية والثقافية والتربوية هي عوامل مهمة ورديفة في دعم مسيرة بناء الدولة , لأننا نعتقد بأن كل مواطن مسؤول كل حسب إمكاناته وقدراته. مؤسسة المفتي الشهيد وجدت لتبقى بمحبتكم وموازرتكم لها. وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح. |