بسم الله الرحمن الرحيم أهلاً وسهلاً بكم على مائدة رمضان الخير والعطاء، رمضان المحبة، وفرصة اللقاء الوطني، رمضان الذي تتجلى فيه عظمة الخالق، وتتبلور فيه وحدة الخلق، في كل مناطق لبنان وخاصة هنا في بيروت، حيث تتلاقى في هذه الأيام المباركة، إرادات الخير من كل لبنان، لتنسج معاً نسيجاً وطنياً واحداً، تتجسد فيه وحدة اللبنانيين بشرائحهم المتعددة وطوائفهم المتنوعة، وهذه إحدى عناوين وأهداف مؤسسة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد، الذي ننهل من فكره الوطني العام، ونهجه الإسلامي الشمولي، الذي كان في السلم والحرب علماً من أعلام الوحدة الوطنية وكوَّن مع صاحب السماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين نهجاً إسلامياً موحداً تلاقى مع القيادات الروحية واللبنانية الأخرى صفاً واحداً وعقلاً واحداً للحفاظ على سلامة لبنان ودوره الوطني والعربي والحضاري. إن مؤسسة المفتي الشهيد، هي مؤسسة للتربية والثقافة، وجدت لتبقى وتتطور لأنها تستمد قوتها من الوحدة الإسلامية، والوحدة الوطنية، وبالتالي فهي قوية بكم ومعكم، لأنها أسست على الخير، وعلى أهدافٍ عامة، تتجسد فيها طموحات كل المخلصين من أبناء هذا الوطن. إن الهدف الأساسي هو بناء صرحٍ ثقافي تربوي يمثل طموح بيروت، وشموخ لبنان، إلى جانب معهد مهني وتقني، يعمل على سد الثغرات في مجتمعنا، ويهيء للمرحلة المقبلة من حياة هذا الوطن المشحون بالتحديات الكبرى. وحتى نحقق هذا الهدف المنشود فقد قامت المؤسسة وضمن إمكانياتها بالعديد من النشاطات الثقافية والإجتماعية والتربوي، فأقامت عدة معارض للكتاب، منها معرض الكتاب العلمي الأول، ومعرض كتاب للأطفال، وأعدت المؤسسة بالتعاون بين هيئتيها الإدارية والإستشارية برامج لدورات صيفية، للأطفال والشباب، في مجالات الحاسب الآلي وخرّجت في الصيف الماضي دُفعات متعددة في اللغات الإنكليزية والفرنسية، ودورات تقوية لطلاب الشهادات الرسمية للمرحلة المتوسطة والثانوية، بالإضافة إلى العديد من الدورات التثقيفية، بالإشتراك مع نخبة من العلماء والعديد من الجمعيات الأهلية، والمؤسسات التربوية، فكانت سنة حالفة بالعطاءات والنشاطات المثمرة، وما كان ذلك ليتحقق لولا دعمكم وإيمانكم بنهج المفتي الشهيد الذي تُجسده المؤسسة التي أنشأت من أجل مجتمع أفضل ووطن تتلاقى فيه كل الإرادات الخيرة لبناء إنسان قادر على مجابهة التحديات والعقبات المنتظرة في ظل متغيرات متلاحقة لا قيمة فيها إلا للنوعية من حيث العطاء والإبداع. أيها السادة، إننا نعيش مرحلة دقيقة على الصعيد الوطني والعربي نتيجة للتداخلات المتسارعة على ساحتنا العربية عامة، واللبنانية الخاصة، وكأننا نعيش في وسط بحر من التحديات تتلاطمه الأمواج من كل حدب وصوب، وهذا يدفعنا كل في موقعه لأن تتعاطى بذهنية واعية بعيدة عن المصالح الضيقة، فالوطن بحاجة إلى طاقات أبنائه بعد سنين الحرب العبثية، وما نشهده اليوم على الساحة اللبنانية من مهاترات ومناكفات وخصوصاً ما جرى من تصرفات في المجلس النيابي خرجت عن أصول الممارسة البرلمانية الصحيحة، وبعدت كل البعد عن أقل مبادىء التعامل الأخلاقي لتمرير أهداف ومصالح شخصية وآنية لا تبشر بالخير بل وتتعارض مع طموحاتنا وآمالنا في بناء وطن تسوده العدالة والقيم الأخلاقية الضرورية للتعاطي بالشأن العام، فلا يجوز أن تتغلب العقد الشخصية على المصالح الوطنية في مرحلة نحن بحاجة فيها إلى الإنماء والأعمار لا الهدم والدمار، وإلى اللقاء والتعاون بين السلطات لا إلى التنافر والتشابك بالمواقف والنقد الهدام الذي لا تستفيد منها إلا المشاريع المعادية لعروبة لبنان ونهضته من بين الركام. نحن نتقبل المعارضة البناءة ولكننا لا نرضى معارضة هدامة لا تقدم لنا برنامجاً شاملاً، نهضوياً، بديلاً للإسراع في نمو الوطن وإنمائه وإزدهاره. لقد بتنا نرى على ساحتنا اللبنانية موالاة ونشهد بالتالي معارضات لا تعلم ما تريد ولا تدرك مصلحة الوطن والمواطن، حتى كدنا أن نشك بأنها ربما أضاعت بوصلة العمل الوطني نتيجة لإمعانها وتمسكها في الانفاق والدهاليز المظلمة. من أجل ذلك، فإننا نشعر بأن المواطن أصبح يعيش حالة من الإحباط للواقع الإجتماعي والسياسي الذي يدعونا لإعادة النظر بالكثير من المفردات والمصطلحات والممارسات السائدة على ساحتنا اللبنانية، في وقت نشعر فيه أننا بحاجة إلى دعم مشروع الدولة الحازمة، القوية بمؤسساتها الرسمية والأهلية، الدولة القادرة والعادلة، لأنه لا يجوز أن نطبق شعار «الغاية تبرر الوسيلة» خاصة إذا كانت هذه الوسيلة لا تصب في مصلحة الوطن والمواطن. ومن هنا فإننا ندعو الدولة بكل أجهزتها لأن تحزم أمرها وتضع حداً لطلائع الفلتان الأخلاقي، والإعلامي ، والإجتماعي، والسياسي، والديني، الذي أصبحنا نشاهده يمارس على ساحتنا اللبنانية، والذي هو غريب عن عاداتنا وتقاليدنا وأصالتنا، ويهدد مسيرة السلم الأهلي والأمن الإجتماعي الذي نعمل جميعاً على تدعيمه وتقويته. إننا ندعو إلى تعزيز المؤسسات الشرعية وفي طليعتها رئاسة الحكومة كما أننا بحاجة إلى تعزيز دور المرجعيات فيها قوية قادرة راسخة ومجزرة تحمل تراث وتاريخ الوجود العربي والإسلامي في هذا البلد الذي يمتد على مدى ألف وأربعمائة عام، ونحن على ثقة بأن مجتمعنا الإسلامي واللبناني لن يبخل علينا بمثل هذه المرجعية التي نطمح إليها. أيها السادة، إن من المسلم به أن هذه الحكومة بقيادة الرئيس رفيق الحريري استطاعت أن تشكل نقلة نوعية ونموذجاً جديداً عصرياً في التعاطي بالقضايا العامة من حيث أيجاد الخطط المدروسة وتنفيذها وترجمتها مشاريع وانجازات شهدتها بيروت وكل لبنان، لتواكب التطورات على الساحة الإقليمية المنتظرة لا سيما وأن تحديات السلام قد تكون أشد وأقوى من تحديات الحرب، ولذلك فأننا لا نستطيع أن نغفل إنجازات هذه الحكومة ورئيسها في إعمار لبنان عامة وبيروت بشكل خاص، ونشكر كل مبادرة في هذا الإتجاه. ونعدو رئيس الحكومة إلى التعاون مع جميع أصحاب الكفاءات والخبرات والمخلصين واعطاء الشأن الإجتماعي المزيد من الإهتمام والرعاية، كما ندعو كل مواطن إلى دعم مسيرة الإنماء والإعمار التي تصب في مصلحة لبنان المقبل على بداية القرن الواحد والعشرين والذي لا مكان فيه إلا للأقوياء القادرين المتضامنين والمتكاملين وخاصة في منطقتنا العربية. وفي إطار العدل أساس الملك، فإننا نحيي التضامن الحكومي وخاصة في مجال دعم وتماسك القضاء ونزاهته التي يرعاها معالي وزير العدل الأستاذ بهيج طبارة، الذي يشهد له تاريخه المهني بالنزاهة والجدارة والجدية. كما ندعم الإنجازات الأمنية التي تحققت حتى اليوم والتي أعطت المواطن شعوراً بالأمن والأمان، وأملنا كبير بكافة القوى الأمنية المعنية أن تتحرى الحقيقة وهي تقوم بواجبها الوطني الكبير في انقاذ الساحة اللبنانية من العابثين والمغرر بهم أن تميز بين المواطن الصالح الذي يطمح لقيام دولة المؤسسات وبين أولئك الذين انحرفوا عن جادة الصواب والعابثين بأمن واستقرار هذا البلد. وبيروت التي تختزل وتختزن قضية الوطن الذي نصبوا إليه، نحن معها, لكي تخرج محلقة بوحدتها الوطنية وانصهار أبنائها، فهي قلب لبنان ولا يمكن أن ينهض الوطن إلا بنهوضها وتعزيز دورها الحضاري والريادي لتكون مركزاً للحرية والثقافة والعلم والتواصل والإنفتاح نريد بيروت كما كانت على مدى تاريخها تمثل طموح وعنفوان كل المواطنين وتحمل هموم القضايا العربية والإسلامية وأن يصار الى التعاطي معها وبشؤونها بكثير من المسؤولية الجدية، خاصةً ونحن مقبلون على استحقاق سياسي لبيروت ولكل لبنان. نحن بحاجة لخير أبنائها، علماً وفكراً وثقافة ونهجاً والتزاماً وطنياً وعربياً، لكي يعبر عن ارادتها، فإرادتها ما كانت إلا حرة لخير الوطن وخير الأمة العربية والإسلامية، فلا يجوز بأي حال من الأحوال أن يقزم دورها لأن في ذلك اساءة للوطن ونهوضه. ونحن على يقين بأن بيروت وأهلها الذي يحملون تاريخاً مجيداً وعريقاً في العطاء الفكري والسياسي، والتي وقفت مع الشرفاء وأبنائها الأحرار، لن يتأثروا بالمنزلقات والمتاهات والتجاذبات السياسية الآنية والظرفية على ساحتها... وستكون قراراتهم والتزاماتهم كما تعودوا دائماً، نابعة من الإلتزام الوطني الأصيل، لن يتخلوا عنها مهما كانت الظروف والأحوال. أيها السادة، رمضان المبارك هو رمضان الخير والتلاقي لأنه ما كان لنا أن نلتقي في هذا اليوم المبارك مع هذه الوجوه الكريمة لولا نفحات الخير التي تطل علينا صباح مساء مع هذا الشهر المبارك الذي يعيش فيه الإنسان مع ذاته ويناجي ربه طالباً العفو والمغفرة. نشكر لكم حضوركم، كما نشكر لدولة رئيس الحكومة رعايته هذا الإفطار ونسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لما فيه خير البلاد والعباد . وكل عام وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحة الله وبركاته. |