بسم الله الرحمن الرحيم سماحة القائم مقام مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور محمد رشيد راغب قباني سماحة رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين سماحة رئيس المحاكم الشرعية الإسلامية أصحاب السماحة أصحاب المعالي السادة النواب السادة أعضاء السلك الدبلوماسي يسعدني بإسم مؤسسة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد أن أرحب بكم ونحن نعيش في موسم الطاعة على مائدة الخير والعطاء، في رمضان الخير والعطاء. فمؤسسة المفتي الشهيد، هي مؤسسة العطاء، لأنها نهلت من مدرسة الإسلام والوطنية، وما زالت، تعمل لجيل صاعد من اللبنانيين، تتجسد فيه روح المحبة والتسامح والإنصهار الوطني، في وطن يحتضن جميع أبنائه بتطلعاتهم وطموحاتهم، وتساهم في دعم مسيرة الصمود، والنهوض الوطني والإجتماعي والأخلاقي، لنصنع مستقبلاً مشرفاً، تسوده القيم الأخلاقية والعدالة، التي دعت إليها رسالات السماء. من هنا، فإننا نشعر بأن مجتمعنا الأهلي، ومؤسساته المدنية، العلمية والثقافية والإجتماعية، لهم الدور الكبير بالتعاون مع مؤسسات الدولة، وعلى الدولة، أن ترعى وتدعم وتطور هذه المؤسسات الأهلية، لأنها في زمن الحرب، استطاعت أن تكمل مسيرة الدولة بالمساهمة من خلال الإغاثة، لصمود المجتمع، وفي زمن السلم، يمكن لها أن تلعب دوراً داعماً ومميزاً في بناء الوطن، ساعية إلى جانب نشاطاتها الأخرى، التواصل وتبادل الرأي والنقد وتنمية الفكر في حوار حضاري، يستهدف ردم الهوة بين تطلعات أبناء الوطن الواحد ومتطلبات العصر . فلنواجه بهذا الانفتاح وهذا الحوار الذين يعتبرون الدين انعزالاً ولنواجه ما يحمله هذا الإنعزال من خوف وبغض وأنانية. ان هذا يتطلب منا الكثير من الإرشاد والتوعية وتيسير العلم الذي يفتح الأذهان وينور القلوب ويسهل اطلالة الناس على الحق والحكمة والتعاون المثمر، ان حواراً دائماً من هذا النوع وبمنظار الإلفة والمحبة يجمع اللبنانيين على موقف وطني واحد وصامد في وجه محاولات الشرذمة والتفتيت التي يتبعها العدو الصهيوني للسيطرة على مجتمعنا وللرد على محاولات المساومة والإبتزاز والتطبيع الذي يسعى إليه بإحتلاله أرضنا وسجنه لإخواننا وخداعه لأمتنا. إن دور المؤسسات الأهلية خاصة، تلك التي تعني بالشأن التربوي والثقافي، هو مواجهة خطط التطبيع ببرنامج متكامل ومكثف من خلال الندوات والمحاضرات والمناسبات الثقافية والإعلام الواعي، حتى يكون كل مواطن على بينة من خطورة هذه الآلية الصهيونية الساعية للتوسع من خلال غلافٍ يسمونه السلام. ايها السادة، ان لمؤسساتنا الأهلية دوراً داعماً ومميزاً في بناء الوطن الذي نتطلع إليه، وطن لجميع أبنائه بمسلميه ومسيحييه بشماله وجنوبه بساحله وجبله وسهله الشرقي تختفي فيه عقد الغبن والخوف فلا نريد أن تغبن أية شريحة من شرائح المجتمع اللبناني ولا أن تشعر شريحة أخرى بالخوف على مصيرها ومن هنا فإننا ندعو الجميع لأن يخرجوا ونخرج معاً من كهوف المذهبية الضيقة وانفاق الطائفية المنغلقة لندخل في رحاب الوطن، وطن الإنسان والعدالة والقيم الأخلاقية، وطن تتقدم فيه الكفاءات وتشاد فيه المؤسسات ويغلب فيه رجال العلم والحكمة والجد على أصحاب المطامع والمصالح والاثراء غير المشروع ونحن في هذا السياق نطالب الدولة بكل أجهزتها بفتح كل الملفات الساخنة وحسمها بالعدل ولنا ملء الثقة برجال القضاء اللبناني فلا يجوز لنا أن نعيش في وطن المزارع والمنافع وتقاسم المصالح والخروج على القانون وتمييع المسؤولية وإنما علينا جميعاً أن ندخل في عصر المؤسسات وحكمها لأننا مقبلون كلبنانيين وعرب ومسلمين ومسيحيين على مجابهة التحدي الحضاري الذي يفرضه علينا العدو الصهيوني بنظام شرق أوسطي يسلخنا عن هويتنا العربية وعقيدتنا الدينية، وندعو جميع الكفاءات العلمية والمؤسسات المستقبلية لتلعب الدور الأبرز في تنمية انسان هذا الشرق العربي مهد الحضارات الذي أنعم الله على أهله بنعمة الإيمان ووفرة مصادر الطاقة ولست أدري ونحن في هذه الأيام المباركة كيف يتلهى بعض أركان الحكم بالتراشق بسفاسف الأمور وصغائرها في الوقت الذي يدفع المواطن في الجنوب والبقاع الغربي يومياً ثمن صموده ويكتوي المواطن اللبناني بنار الغلاء وفوض الأسعار وأزمة السير والكهرباء والمياه ناهيك عن الجرائم البيئية التي مارسها المستفيدون من الحرب الشريرة على أرضنا والتي يمكن أن يطال أذاها جيلنا والأجيال المقبلة. أيها السادة، في شهر العطاء يجتاحني بعض القلق على تعطل نعمة العطاء للوطن والأمة من فريق من اللبنانيين الذين نحن على ثقة بأننا سوياً يداً بيد سنبني لبنان العربي القوي المتعاون والمتواصل مع أشقاءه العرب والمجتمع الدولي. فليكن هذا الشهر المبارك بداية للمزيد من التلاحم الوطني الواعي بين المواطنين لأنه كما قال المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد رحمه الله في أقصى أيام المحنة «... ان أي فئة من الفئات لا تستطيع أن تبني لبنان على صورتها فلبنان على صغر مساحته متسع لجميع أبنائه» ونحن على يقين بأن المؤسسات على تنوعها سواء كانت أهلية أم رسمية يكمّل بعضها بعضاً لأن البناء والنماء في مرحلة السلام هو هدف المجتمع ولقد أثبتت العديد من هذه المؤسسات دورها الوطني الشمولي وخاصة مؤسسة الجيش اللبناني في ظل قيادتها الوطنية الحكيمة التي استطاعت وبفترة وجيزة أن تحقق الإنجازات المتقدمة في مجال الإندماج الوطني وتصدت بكل بسالة وجرأة على رغم قلة عديدها وعددها لأطماع العدو الصهيوني واستطاعت أن تبسط سيادة القانون على الأراضي اللبنانية بكثير من المناقبية والكفاءة. أيها السادة، لا يجوز لمؤسسة من المؤسسات أن يعطل دورها أو أن تشل حركتها سواء كانت مؤسسة دينية أم مدنية إن مواجهة المستقبل تتطلب الكثير من الجهد من جميع مؤسساتنا التي تتكامل مع أهداف الدولة وتدعمها وفي طليعة هذه المؤسسات دار الفتوى . عرفناها في عهد المفتي الشهيد منبراً يدعو للعيش المشترك والعمل الوطني الموحد والتعامل مع جميع الأشقاء العرب وفي مقدمتهم سوريا ونحن نرى أنها ما زالت وفية لهذا النهج. ومن هنا فإننا ندعو الجهات المعنية لملء مركز افتاء الجمهورية لأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يبقى الموقع الديني الإسلامي الكبير يحمل لقب قائم مقام. أيها السادة، ان موقع مفتي الجمهورية اللبنانية الذي يمثل المسلمين واللبنانيين هو ركن أساسي من أركان نهوض الوطن الذي نطمح إليه جميعاً . إننا نريد أن يكون على رأس هذه الدار مفتٍ أصيل منتخب وانها رغبة المسلمين واللبنانيين لتستطيع دار الفتوى أن تلعب دورها الكبير بالتعاون والتكامل مع مؤسسات الدولة ومثيلاتها من المؤسسات الدينية في هذه المرحلة الحرجة من بناء الوطن . وهذه دعوة الى الرأي العام اللبناني وأصحاب الشأن للتعبير عن ارادتهم في هذا الخصوص ان دار الفتوى كانت وستبقى بإذن الله مكان لقاء اللبنانيين جميعاً والحصن المنيع للإرادة الإسلامية والوطنية الواحدة. واننا على يقين بأن دولة رئيس الحكومة الأستاذ رفيق الحريري الذي يدعو الجميع إلى مساندة موقعه وبرنامجه الوطني هو أول الداعمين إلى تعزيز مركز دار الفتوى والمؤسسات الأهلية الشريفة. ومن على هذا المنبر ندعوه وسائر أركان الدولة إلى الإسراع في تنظيم الإدارة ودفعها لتكون في مستوى طموحات اللبنانيين. وندعوه لأن يكون لبيروت العاصمة ولأهلها كما للبنانيين جميعاً شرف المشاركة في حمل أعباء مسيرة التأهيل والبناء والاعمار والتنمية. وندعوه مع الشرفاء إلى مقاومة بعض أنماط دمج الميليشيات في الإدارة والجامعة اللبنانية والمؤسسات. وندعوه لأن يقاوم واللبنانيون معه بكل امكاناتهم تسلل المحسوبيات الضيقة إلى الإدارات والاصرار على الكفاءات والأمانة والأخلاق، فلسهم الزمن اتجاه واحد ويصعب تصحيح الأخطاء اذا غالينا اليوم في التأخر عن مواجهتها أو سهونا عن تقييم مخاطرها المرتقبة. ايها السادة، اننا على يقين بأنكم ستحملون معنا عبء استمرار هذه المؤسسة التي تحمل نهجاً تربوياً وثقافياً ينطلق من تعميق الايمان في النفوس وزرع الفضيلة في المجتمع ودعم مسيرة العلم في لبنان الذي كان على الدوام منارة للهدى وللعمل والعلماء. ان مؤسسة المفتي الشهيد تدعوكم إلى مساندة مسيرتها بالدعم المعنوي والفكري والمادي وهذا حظها ومسيرتها نسعى جاهدين أن يكون لها دور في خدمة مجتمعنا إلى جانب مؤسسات أخرى تعمل في مجال التربية والثقافة. ايها الأحبة الشيخ حسن خالد مفتي الاخاء والانفتاح السمح كان حتى آخر يوم بيننا رائداً يتقدم المسيرة واماماً للجماهير يسدد لها الخطوات ويبعدها عن نزق العواطف الثائرة ويرصدها الى مكامن الخبث في المؤامرة التي ابتغت تمزيق لبنان. لقد كتب الله لك الشهادة والشهادة عصية الا على الأقوياء والكبار والمؤمنين بربهم وأنت كنت كبيراً وقوياً ومؤمناً في كل خطوة وفي كل فعل وظللت حتى آخر نبض في حياتك صابراً وصامداً تمتلىء بالحب والحنين وترسم وطناً في حجم الآمال والطموحات. ان حياة هذا الرجل والعديد من أمثاله لن تتوقف بموته فقدره الشهادة وإنها معركة ومسيرة مستمرة ضد أمراء الحروب والظلم والظلام والعدوان انها معركة شاقة تمر في المناطق المحرقة والموحشة والمناطق الباردة المقززة، لقد كان بالنسبة للشرفاء القدوة البراقة في حمل راية المطالب العادلة وكان بالنسبة للظالمين والمستبدين ذلك القبس الرهيب الذي يقض مضاجعهم ويكشف ممارساتهم. رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه... والله يمهل لا يهمل . ايها السادة لا يسعني في الختام إلا أن ندعو إلى مزيد من الطهارة والنظافة في العطاء الوطني والبناء والتأهيل الإجتماعي والاقتصادي ومعالجة حاجات المواطنين التي تمس عيش حياتهم اليومية على كافة الصعد. ونوجه التحية إلى المقاومين لاطماع العدو في الجنوب والبقاع الغربي، وإلى الصامدين الصابرين في لبنان والمرابطين حول اسوار القدس ليحموا بصدورهم الباسلة وإيمانهم الكبير المسجد الأقصى وكنيسة القيامة. وندعو الله تعالى أن يوفقنا إلى ما فيه الخير والصلاح . |