بسم الله الرحمن الرحيم معالي الأستاذ محمد الغزيري ممثل دولة رئيس مجلس الوزراء أصحاب الدولة، سيادة المطران خليل أبي نادر ممثل غبطة البطريرك فضيلة الشيخ عبد اللطيف دريان ممثل القائم مقام مفتي الجمهورية اللبنانية سيادة المطران إلياس عودة، ممثل رئيس بقعة الأزهر الشريف أصحاب المعالي حضرات النواب أصحاب السيادة والسعادة والفضيلة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، يسعدني أن أرحب بكم مرةً ثانية على مائدة افطار رمضاني مبارك وعلى طريق الخير والبركة والعلم والثقافة على مائدة الأوفياء لنهج شهيد الوطن الشيخ حسن خالد رحمه الله. إنها لفرصة طيبة ومباركة أن نجتمع في هذا الشهر المبارك لتأدية فريضة فرضها الله علينا في طاعته ومرضاته وهي مناسبة طيبة أيضاً أن نجتمع في رحاب الخير والعلم الذي ارتكزت عليه مؤسسة المفتي الشهيد التي أخذت على عاتقها متابعة مسيرة الشهيد فرسمت لنفسها خطاً لن تحيد عنه بإذن الله ونهجاً قويماً استشهد من أجله رجل أحب وطنه وأمته فأعطاها من عقله وعلمه وجسده فكان فداءً لهم جميعاً وخلاصاً من أجل وحدة لبنان وعودة مؤسساته وعيشه المشترك بين جميع أبنائه فكانوا له أوفياء. لقد صار نهجه رمزاً يتسابق إليه أعداء الماضي والأصدقاء ويتلاقى إليه كل محب ومخلص للوطن. لم يبن الشهيد بأفكاره وعلمه وانفتاحه نهجاً فحسب وإنما بنى رجالاً أوفياء مخلصين حملوا الرسالة من بعده فكانوا أوفياء له ولأمتهم. إننا لا نستطيع أن نقدر الفخر الذي نشعر به في هذه الأيام وخاصةً ان البلاد بدأت تعود إلى نصابها دولة وحكومة ومؤسسات، فلم يضيع عمله ولا عمره في سبيل وطنه وأمته التي تستحق كل خير واستقرار وسلام. إن كل عمل مهما كان له من النجاح بنسبة ما يواكبه من مشاعر الإخلاص والتجرد وإننا لنحرص على أن يكون عملنا ناحجاً كل النجاح بإذن الله موفقاً كل التوفيق مؤيداً برعاية الله تعالى ونصره، ولذلك فإننا نحرص على أن يكون هذا العمل مجرداً من كل شائبة رياءٍ أو فخرٍ أو إنتفاع، مخلصاً لله وحده في ثوابه ويتطلع إلى رضاه. أيها السادة الكرام، لقد وضعنا بين أيدكم كتيباً يضفي الضوء على نشاطات المؤسسة خلال العام الماضي بالإضافة إلى بيان مالي بالمبالغ الواردة والمصاريف، وكذلك ميزانية العام القادم المتوقعة. لقد استطعنا بحمد الله تعالى وضع اللبنة الأولى لهذه المؤسسة التربوية الثقافية، واستطعنا أن ننشط وتكون على مستوى كبير من الحركة في مجالات الثقافة ، وسيكون مشروعنا للعام القادم بإذن الله والذي باشرنا بتأسيسه وهو مكتبة المفتي الشهيد ومركز التوثيق والمعلومات والدراسات. وبفضل الأوفياء والمخلصين وهذه الوجوه النيرة التي أراها أمامي اليوم استطعنا أن نجتاز الكثير من المحن في سبيل تحقيق أهداف هذه المؤسسة التي أخذت منا الكثير من الجهد والعمل. على أنني وفي النفس كثير من الألم! اقول لكم بأن أي من المرجعيات الزمنية ، أو الروحية خاصةً، لم تبادر إلى تقديم أي دعم من أي نوع لهذه المؤسسة، وهذه كلمة يجب أن تقال لأننا نرى أن الوفاء الحقيقي الذي نتوقعه، ليس للشهيد الذي قدم دمه الزكي فداءً لمبادىء وايماناً بحق، ولكن لأنفسنا ولأمتنا في سبيل عزتها وتقدمها . ولكن هذا الأمر لن يزيدنا إلا اصراراً على متابعة العمل فأنتم الدعم الذي نعتمد عليه بعد الله سبحانه وتعالى. أيها السادة، في مناسبة جامعة كهذه لا يستطيع المرء إلا أن يدخل في عالم الواقع الحالي لبلادنا وما تمر بها من أزمات وتشنجات على الصعيد الإجتماعي والسياسي والاقتصادي ولذلك لا بد لنا من التنويه والوقوف عند بعضها. ان الخوف على الوضع اللبناني عامة وعلى الوضع الاسلامي بشكل خاص يدعونا إلى ان نقول انه من واجبنا تعزيز التضامن والوحدة داخل الصف اللبناني عامة والإسلامي خاصة، ونبذ كل فئة تعمل على الهدم والتفرقة، ولعل المصارحة الموضوعية لشؤون المسلمين يجب أن تكون اليوم هماً من همومنا على أمل أن تغدو أسلوباً يبني ولا يهدم. ولذلك فإننا نحن مع دعوة جامعة للمؤسسات الإسلامية إلى لقاء مصارحة للعمل على توحيد الصف ودعم المرجعية السليمة. كما أننا مع دعوة لكافة اللبنانيين إلى التلاقي ودراسة سبل تطوير الأنظمة والقوانين بما يحقق العدالة والمساواة والعيش المشترك على نحو سليم يضمن الأمان والاستقرار إلى جناحي لبنان الذي من دونهم ينعدم الوجود اللبناني الفريد. ان هموم اللبنانيين تكاد تكون واحدة في كل لبنان ولو كانت في بعض المناطق أشد حدة منها في مناطق أخرى، وان اللقاء المفتوح الذي اجراه دولة رئيس مجلس الوزراء في جونيه مؤخراً مع الفعاليات في تلك المنطقة نتمنى أن يستمر وان لا يكون وقفاً على جونيه وحدها بل ان تشمل كل المناطق اللبنانية وخاصة بيروت التي عانت وتعاني الكثير وقدمت الغالي والنفيس طوال سنين الحرب والتي ما زالت اليوم في كثير من مناطقها تعاني من الحرمان والإهمال، فرأس النبع والطريق الجديدة والبسطة والمصيطبة وغيرهم من مناطق بيروت تطلب وتطالب دولة الرئيس أن يسمع من أبنائها مباشرة ما عندهم ليعرف حقيقة ما يشكون منه وما لديهم من هموم ومآخذ ويعرف ما يجول في خاطرهم. وبيروت الأبية التي قدمت للوطن شبابها وأطفالها مستعدة اليوم أن تقدم شبابها لتساهم في حمل عبء مسؤولية مستقبلها ومستقبل مدينتها ووطنها وهم أولى من سواهم في بنائها ومد يد العون إلى دولة الرئيس ليساهموا معه بشكل بناء في رسم صورة مستقبلها. اننا نمر في ظرف دقيق للغاية وان الفرصة التي بين أيدينا اليوم والتي تجمع فيها بعض المخلصين للنهوض بالبلاد وخلاصها من أزماتها المتراكمة من الحكومة الحالية التي تتمتع بكثير من ثقتنا المحدودة تخطو خطوات جريئة نحو المستقبل وبإمكانيات قل نظيرها وقلما توفرت لأي حكومة أخرى أو أي حكومة ستأتي من بعدها ولكن كل هذا لا يكون ان لم تقرن العقل والإخلاص بالعمل فالعلاقات المميزة اقليمياً ودولياً والتي يتمتع بها رئيس الحكومة اليوم يجب أن تستغل لمصلحة الوطن والمواطن وهي المرحلة السانحة لخلاص لبنان من كبوته واستنهاضه ليعود الى ركب الحضارة المشرقة التي يطلبها الشباب وتطلبها الأجيال الصاعدة. ولذلك فإنه لا يجوز لنا أن ننساق في متاهات المعارضة الضيقة لمجرد المعارضة ولا الموالاة الأنانية الشخصة لمجرد الموالاة النفعية ولا يجوز أن نجر الأشخاص العاملين والمخلصين في سياق ظلام المشاريع الضيقة الآنية والزواريب السياسية التي شبعنا منها ولا جدوى فيها بل يجب أن نشد أزرهم بإتاحة المجال لهم للعمل البناء والمخلص، وبما أن الديمقراطية هي عنواننا الذي لن نتخلى عنه فإن المعارضة أساسها. ونعلم بأن القائد المخلص يقبلها بقلب مفتوح على أن تكون معارضة بنائه تقدم البدائل والوسائل وتنتقد بإخلاص وموضوعية في خدمة الوطن وتقويم الإعوجاج . والمولاة يجب أن لا تكون مجردة من المصلحة الوطنية بل يجب أن تكون مجردة من المصلحة الشخصية والآنية، ولذلك فإني أطالب الجميع معارضة وموالاة الإلتزام بالديمقراطية الحقة والإلتزام بالوطن وخلاصه من مشاكله ومآسيه والإلتزام بالوقوف بوجه الطروحات والتفاهات التي من الممكن أن تكبد الوطن خسارة لا يستحقها. إننا اليوم على عتبة مرحلة خطيرة من أخطر مراحل الحرب العربية الإسرائيلية والتي سيستخدم فيها أشنع وسائل الحرب الباردة الإعلام، والثقافة، والاقتصاد، ولذلك فإنه يجدر بنا أن نكون على قدر كبير من المسؤولية الواعية والمثقفة لنجابه الضغوطات في حال تحقق السلام في المنطقة، ويجب أن نتعلم من دروس الحرب اللبنانية التي ذهبت إلى غير رجعة بإذن الله، لنتكاتف ونتعاضد لبناء وطن مشرق عصري لأبنائنا نسلمه إليهم متيناً متماسكاً بعيداً عن المآسي والتشجنات مؤكدين بأن لبنان العزيز وطن جميع اللبنانيين وبيروت مدينة عريقة احتضنت وستحضن الجميع وهي بعيدة كل البعد عن المذهبية والمناطقية. وفقنا الله وإياكم إلى مافيه خير ومرضاته. « وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ». |