كلمة رئيس مؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد المهندس سعد الدين حسن خالد
إن أزمة الحريات العامة في لبنان وحقوق التعبير الإعلامي تمر في منعطفين خطيرين : الأول : الإنحراف الإعلامي في إطار تدهور الآداب العامة والإنفلات من قيود الأخلاق. والثاني : عشوائية الأسس التي إعتمدت للترخيص للوسائل الإعلامية.
إن من واجب الدولة ومؤسساتها الإهتمام بالمنعطف الأول وتجنيد كل طاقاتها في هذا الإتجاه الذي يساهم بشكل إيجابي في بناء الوطن ومن ثم إلى ضبط المتهافتين على إنشاء مؤسسات إعلامية لتسخيرها لمآرب غير أخلاقية وغير وطنية وغير هادفة كلها تصب في الإتجاه المعاكس لمصلحة الوطن وبإتجاه مصالح مادية ومنافع شخصية تنتهي بتسخير القضايا والمجتمع لمطامع مادية تصب في جيوب هؤلاء الطامعين. إن تدهور الآداب العامة أضحى يهدد المجتمع اللبناني بشكل خطير ومسؤولية الإعلام في هذا المضمار كبيرة وخطيرة في الوقت الذي يقتحم الإنحلال بيوت اللبنانيين ومنتدياتهم ومجالسهم . إن الشاشة الصغيرة التي تحمل إلى بيوتنا من مشاهد ومظاهر ومن ترغيب غير مباشر على كل أنواع الفساد والخلاعة والجريمة بات يهدد الأسرة في دارها بالتفكك والإنحلال . أضف إلى ذلك هذه العدوى السيكولوجية الإجتماعية المتعلقة بالزي والعادات والتصرفات وطرق الخطاب والكلام والتي أصبحت متمكنة في كثير من الشباب والشابات والعائلات الكريمة مما ينذر بخطر شديد يهدد المجتمع اللبناني. إن الإستراتيجية اللبنانية الإقليمية أصبحت محسومة الخيار ولا جدل حولها ولا يجوز أن يكون هناك أي مزايدات حولها ، فلا خوف من الإعلام في هذا الإطار خاصةً إذا كانت الرقابة الوطنية وأعيه وحازمة، لذلك فإن الجدل حول الترخيص لهذه الجهة أو تلك ممنوع أو مسموح بسبب الظروف الإقليمية والداخلية والأمنية جدل عقيم ولا يجدي نفعاً وبعيداً كل البعد عن الصحة. أما في الإطار الداخلي فالإعلام حالة يجب أن تكون حاضرة الذهن والعمل لتقييم الوضع وكشف المشاكل ووضع حد للفلتان الأخلاقي والسياسي والإقتصادي، هذه هي الأسس التي يجب أن تتخذ وغيرها تتبعها الدولة والحكومة والمجلس النيابي الذي أوكل الشعب إليهم حماية مصالحهم وأبنائهم ومجتمعاتهم، مما يثري المجتمع ويغنيه ويعطيه جواً من التنافس الحضاري والثقافي والوطني المثمر وتحقيق أهداف الأمة في التحرير والديمقراطية والأخلاق والعيش الآمن . ونذكر السلطة وأصحاب الشأن بكل أركانها بأن لهم أبناء وأسر في هذا الوطن وأعتقد أن سلامتهم وأمنهم الفكري تهمهم وتشغل بالهم، ولذلك فإنه حريّ بهم أن يتحسسوا معنا جمعياً في هذه المشكلة فيسنوا التشريعات القانونية القاسية ويطبقوا المراقبة والتفتيش بكل دقة للحد من هذه الوسيلة الخطيرة التي تتسلل إلى أعماقنا بكل خفة وسهولة وتبني أفكارنا ومعتقداتنا وخياراتنا وأن يكون السقف سقفاً للجميع وأن تكون المعايير معاييراً تحقق خدمة الوطن وخدمة قضايانا ، أما أن نقيد الإعلام ونكبت الحريات بطريقة عشوائية تعتمد على المحسوبيات والمزارع المشكلة هنا وهناك فهذا أمر يصب في مصلحة تدمير الوطن وضياعه وتوجيه دفته إلى الإنهيار وعدم التماسك. التنافس يجب أن يكون حراً في هذا المجال في إطار مصلحة الوطن ومصلحة أبنائه الذين هم نواة المستقبل الحقيقي ولا يجوز أن يكون مقيداً تحت كاهل الضغوطات والمحسوبيات والمال. وما نراه اليوم على الساحة اللبنانية من تعميم لوجهة نظر واحده ورأي واحد يخلق جواً من الفرقعة الداخلية ستكون كارثة يدفع ثمنها والوطن والمواطن اللبناني أولاً. ولذلك فإنني أرى في هذا الجو العابق بالتنافر السياسي والإنحلال الأخلاقي والإنهيار الإقتصادي أن تتداعى القوى السياسية والدينية الوطنية المخلصة وخاصةً دار الفتوى وبكركي وسائر الهيئات الروحية التي لا غبار على إرادتها وأهدافها إلى مؤتمر يحددون فيها السياسة الإعلامية العامة والتوجيهية في لبنان ويصدروا على أساسها توصيات تعتمد من سائر المؤسسات الإعلامية والتربوية وغيرهم . أيها السادة. إن هذا الموضوع المهم والحساس للغاية الذي تشكر عليه المؤتمر الشعبي اللبناني وكل القيمين على هذا المؤتمر ندعو من خلاله إلى لجنة متابعة تحقق اهدافه وتتابع تطبيق مقرراته . وفقنا الله وإياكم إلى ما فيه خير لبنان وخير الأمة العربية وعودتها إلى الأصالة وإلى الأصول التي باتت مجهولة المعالم في أيامنا هذه. |