كلمة المهندس سعد الدين خالد رئيس مؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد
بسم الله الرحمن الرحيم أيها الأخوة الأحباء الأعزاء، في أجواء هذا الشهر المبارك، شهر التوبة والغفران، نلتقي وإياكم كما تعودنا في مثل هذا الزمن الخيرِّ من كل عام لنتقاسم معاً خبز الخير وملح الخير وكلام الخير وروح الخير وعطر الخير... نلتقي وإياكم في رحاب هذا الشهر الفضيل هذا الشهر الكريم الذي أراده الله عز وجل فرصة مميزة من فرص العطاء التي يمنحها لعباده من أجل أن يتقربوا منه أكثر ويتفاهموا في ما بينهم على صنع الخير والتشجيع على الخير والسعي وراء الخير والعمل من أجل الخير... نلتقي معاً لنتحدث معاً عن مصاعب الإنسان وقلقه ومشاكل الإنسان وتمنياته وحاجة الإنسان للإنسان... إنه رمضان، شهر القرآن، شهر الرحمة والعطاء، الشهر الذي تتسلل فيه يدٌ بطيبة خاطر لكي تساعد يداً أخرى وتفتش فيه يدٌ بطيبة تسامح لكي تلتقي يداً أخرى وتسعى فيه يدٌ بطيبة عزمٍ وتصميم لكي تصافح يداً أخرى وتتراجع عن كل المساوئ والأخطاء.
أيها الأخوة الأعزاء، في شهر الخير لن نسأل عن خير الإنسان فقط بل سنسأل عن خير السياسة أيضاً وخير السياسيين... نسأل عن خير السياسة التي نخشى أن تكون قد فقدت مرونتها ومعظم ايجابياتها وأصبح أمر وجودها بين اللبنانيين كنموذجٍ حضاريٍ مستمرٍ يسيِّر مجتمعهم وينظمه ويطوره ويحصنه ويحميه مرهوناً بمدى ملائمتها لمصالح الخارج ولأهواء الخارج ولرغبات الخارج ولغايات الخارج وكل مغامراته. نسأل عن السياسة التي نخشى أن تكون قد فقدت كل خيرها وأصبحت وسيلة من وسائل تهجير الناس وتيئيس الناس وقمع الناس وإذلال الناس وسلبهم حقوقهم... نسأل عن السياسة وعن الدستور الذي تحول من خلالها من مادة صلبة تصون الواقع وتنظمه وتحميه إلى مادة مطاطية تتنازعها الأخطاء والأحلام والأوهام وتعتدي عليها التفسيرات المتعددة والمفاهيم المستحدثة والالتباسات المتنوعة والمطالب التي تحاول فرض ذاتها كأعراف بقوة التصلب حيناً وقوة انعدام الثقة والخوف من المجهول في كثير من الأحيان... نسأل عن صورة النظام السياسي المتصدعة اليوم والمتآكلة بفعل كل هذه الأنواع من السياسات الخاطئة وكل هذه الأنواع من التغيير المتواصل نحو الأسوأ والذي لا نعرف له نهاية... نسأل عن صورة النظام السياسي الذي نخشى أن يكون قد فقد كل حيويته ورصانته وأصبحت الديمقراطية معه ومن خلاله وتحت عمليات ضربها المتكررة والمستمرة منذ زمن هزيلة إلى درجة الاضمحلال وضعيفة إلى درجة الموت والاعتلال... نسأل عن حصار الرؤساء وحصار مواقع الرؤساء وصلاحيات الرؤساء وحكومات الرؤساء... نسأل عن مصير الاستحقاقات الدستورية التي نرى مثيلاتها تمر بسلاسة وانتظام في العالم في أكثر الدول توتراً وأكثر الدول تخلفاً وأكثر الدول تأزماً وحروباً ونراها في لبنان لا تتحرك إلا بإرادة الخارج ومعقدة إلى درجة تعطي الفراغ حقاً في أن يكون حيناً باباً للاستثمار في كل الاتجاهات وتعطي الشلل حقاً في أن يكون أحياناً مصيراً تتربع على عروشه كل الانقسامات والخلافات وتعطي الانتظار المكلف حقاً في أن يكون في كثير من الأحيان قدراً يؤمن كل شرعية المراهنات والمساومات... نسأل عن الانتخابات التي نخشى أن يكون أمر وجودها أو عدم وجودها قد أصبح بالأمر السيان... نسأل عن نتائج الانتخابات التي أصبحت أرقامها قابلة للتفسير كما نشاء وقابلة للتعديل عندما نشاء وقابلة للطمس والتجاهل والقفز فوق حقائقها ومدلولاتها ساعة نشاء... نسأل عن الانتخابات وعن السياسة وعن كل هذا الوضع السياسي الداخلي الذي أصبح في شكل محزن وخطير يحاصر اللبنانيين ويأسرهم بلا رحمة أو شفقة جاعلاً من مستقبل التطورات والأحداث في بلادهم رهينة التفاهم الذي يمكن أن يحصل أو لا يحصل أو رهينة الخلافات التي يمكن أن تستعر أو لا تستعر أو التسويات التي يمكن أن تحدث أو لا تحدث بين هذه الدولة أو تلك.
أيها الأخوة الأعزاء، نسأل عن السياسة ولا ننسى السؤال عن أحوال المواطن اللبناني الذي يعيش اليوم أقسى حالات البؤس واليأس. هذا المواطن الذي دفع وما يزال يدفع غالياً ثمن الأزمات السياسية وثمن تفاقم الأزمات السياسية وثمن توليد الأزمات السياسية وثمن استيراد الأزمات السياسية وثمن غياب الحلول وتغييبها. هذا المواطن الذي يرفع اليوم الصوت عالياً ليسأل عن ما إذا كان الأوان قد آن لكي يعيش عيشة الإنسان في هذا الوطن كما يعيشها كل المواطنون الآخرون في أوطانهم تلك المنتشرة في أرجاء العالم. المواطن اللبناني لم يعد يحتمل المزيد من الأزمات والمزيد من المتاعب والمشاكل والمزيد من المصاعب والتعقيدات...
أيها الأخوة الأعزاء، لقد أنجب لبنان الكثير من الزعامات السياسية والوطنية والدينية الكبار وقد عانى أيضاً الكثير من المنازعات السياسية والمشاكل العبثية على أرضه دفع اللبنانيون كل اللبنانيين ثمن بعض الحماقات التي ارتكبت من هنا وهناك دفعنا جميعاً ثمنها مسلمين ومسيحيين بالدم والدموع والتشرد داخل الوطن وخارجه. هل تعلمنا من أخطائنا الماضية لنمضي قدماً في بناء مستقبلٍ واعدٍ لأبنائنا في وطنٍ يسوده الأمن والأمان والاستقرار والمحبة والاحترام أم سنورثهم الحروب والنزاعات والبغضاء والكراهية والتعصب. لقد قال المفتي الشهيد رحمه الله ورضي عنه وأرضاه "إن لبنان لا يمكن أن يكون إلا على صورة من التجانس البديع بين جميع طوائفه" "وإن أي فئةٍ من الفئات لا يمكنها أن تبني لبنان على صورتها سواءٌ كانت حزبية أم طائفية" "وإن تحرير المجتمع اللبناني لا يقوم إلا على تكامل الطاقات الإسلامية والمسيحية" ما أجمل هذا الكلام وما أعمقه وكم نحن بحاجةٍ الى تطبيق مضامينه، فمن منا يعمل اليوم على هذا التجانس البديع بين أبناء الوطن الواحد ومن منا يعمل على وصل الطاقات الإسلامية الإسلامية والمسيحية المسيحية لنصل من خلال كل ذلك إلى وصل الطاقات الإسلامية المسيحية لنحرر مجتمعنا وننطلق به نحو الأفضل.
أيها الأخوة الأعزاء، رغم قساوة الزمن السياسي سيبقى إيماننا راسخاً بالله عز وجل وبهذا الوطن وبشعبه الطيب والعزيز... وببعض الحكماء من القادة الذين نعول عليهم كثيراً في عملية وقف مسلسل الانحدار نحو الهاوية وفي إعطاء الوطن حقه الكامل في الحياة والاستمرار...
|