كلمة رئيس المؤسسات المهندس سعد الدين حسن خالد
بسم الله الرحمن الرحيم اسمحو لي قبل البدء بكلمتي أن استذكر رجلاً من الرجال العاملين والمؤسسين في مؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد ألا وهو الدكتور المهندس يحي حسن عباس هذا الرجل الذي نفتقد وجوده بيننا اليوم، كان مثالاً للرجال الأوفياء العاملين بصمت وإخلاص وتفانٍ ونشهد على ذلك أمام الله كما يشهد له بذلك أيضاً جميع أصدقاءه وتلامذته الكثر وأهله. لقد كان يحي عباس من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فترك بصمات جلى في كل ميادين الحياة ما زالت شاهدة له في كل أرجاء الوطن. له منا جميعاً دقيقة صمت.
أهلاً وسهلاً بكم في هذا اللقاء الخيّر، هذا اللقاء العائلي الجامع في متنه كوكبة خيرة من الأخوة الأعزاء، هذا الجمع الذي يلتقي معنا اليوم تحت سقف الإيمان والإنسان وفوق أرض العطاء والتضحية. أهلاَ وسهلاً بكم في هذا الشهر المبارك، شهر القرآن والإيمان، شهر طهارة النفس ونقاوة العطاء، شهر التوبة والغفران، أياماً معدودات تمر بنا كل عام في رحلة حق يختلي بها الإنسان مع ربه ومع نفسه ومع من حوله، شهر رمضان، شهر الكلمة الطيبة وشهر العطاء اللامحدود، وشهر الود والتسامح.
أيها الأخوة الكرام، يأتي شهر رمضان هذا العام وسط جو عابق بالمشكلات الإجتماعية والمعيشية التي يرزح تحت ثقلها المجتمع في لبنان، ونحن نرى كيف أن أولياء الأمور في لبنان يسعون ويجهدون من أجل الوصول إلى الحلول الناجعة الكفيلة بالإنتقال بالوطن نحو وضع أفضل، إلاّ أن هذا لا يعفي المجتمع القادر في لبنان ومؤسساته القادرة من بذل الجهود من أجل المساهمة في التخفيف من وطأة الهموم التي يرزح تحتها المواطن في لبنان، وإذا كانت قدرة المجتمع القادر على العطاء تأتي من وفرة ما منّ الله عز وجل على عباده من خير ونِعَمْ ، فإن قدرة مؤسسات المجتمع على العطاء لا يمكن أن تأتي إلاّ من خلال جهود هؤلاء الخيرين المحدِّثين بنعم رب العالمين والعاملين بوصاياه، ونحن نغتنم فرصة هذا اللقاء الخير لنزف لأهلنا في بيروت ولبنان أعلاننا على وشك أن نفتح قريباً جداً ومن خلال جهود الخيرين الطيبين صرحين جديدين من صروح مؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد، الأول سيكون افتتاحاً لمركز طبي جديد ومتطور في منطقة كورنيش المزرعة والثاني سيكون افتتاحاً لمركز ثقافي في المنطقة ذاتها أيضاً، على أمل أن يحمل المستقبل لنا ولكم صروحاً أخرى لتنضم بدورها الى ما تشهده هذه المدينة وهذا الوطن من صورح عاملة في خدمة المجتمع وخدمة الإنسان فيه. وإذا كان نشاطنا يتفرع إلى الإتجاهات الثقافية والصحية والطبية نظراً للحاجة الملحة لذلك، فإن نشاطنا في المجال الإجتماعي ما زال مستمراً بزخم من خلال ما تقوم به المؤسسة من أنشطة متعددة ومتنوعة، وهي أنشطة تستدعي في بعضها العمل الصامت وتتطلب في بعضها الآخر العمل العلني، إلاّ أن يبقى ما يجمعهما أولاً وأخيراً هو الإنسان والإنسان فقط.
أيها الأخوة الأعزاء، يأتي شهر رمضان هذا العام بين نارين، نار تلسع الحاضر وتهدد المستقبل في العراق الشقيق الذي ندعو الله العلي القدير أن يمن عليه بالأمن والأمان والحرية، ونار لم تتعب من إلتهام الضحايا في فلسطين التي ندعو الله عز وجل أن يحررها من أيدي المغتصبين الظالمين المستكبرين. وما بين النارين نأتي إلى لبنان لنرى القوم يقبعون في ظل أجواء عابقة بعناوين السياسة والإقتصاد والإعلام والحريات والديمقراطية والقوانين والدساتير وطرق إدارة الشأن العام إلى ما هنالك من مواضيع تضج بها الآذان وتجف معها الأيدي وتتشرذم معها الساحات بين معارضين وموالين ومناصرين ومخاصمين. وحده اليأس يبقى سيد الساحة ومعه الفقر والبؤس والهجرة وبينهم يقف ما تبقى من القوم يترنحون، يتذمرون يتألمون، ويسألون عن المصير. وعندما نقول القوم فإننا نعني بذلك القوم الطيبون الذين يعانقون تراب هذا الوطن دون سؤاله لأي منطقة إنتمى والذين يحتضنون الإنسان المواطن فيه دون سؤاله لأي مذهب انتمى أو لأي طائفة يعود. بماذا يفكر اليوم كل هؤلاء القوم الطيبون الذين يشكلون الأكثرية الساحقة من هذا الشعب البائس؟ بماذا يفكر كل هؤلاء القوم الطيبون المنتشرون في كل بقعة وكل قرية وكل مدينة وكل ساحة من ساحات هذا الوطن العزيز؟ بماذا يفكر كل هؤلاء وماذا يريد كل هؤلاء في هذه الأيام المباركة التي يحييها المسلمون تعبداً وإيماناً ويعيشها معهم إخوتهم المسيحيون في هذا الوطن تضامناً روحياً وتشاركاً إنسانياً وتوحداً وطنياً. يريد هؤلاء القوم الطيبون أن تسير الحلول بلا عوائق، وأن يبقى العدل كاملاً ولا يتجزأ، وأن تكون المساواة تامة بلا استثناءات، وأن تراعى الموازين بلا تجاوزات، وأن تبقى الحرية مصانة بلا انتهاكات، وأن تبقى الديمقراطية بلا اعتداءات، وأن يزداد المجتمع مناعة بلا عثرات، وأن يبقى الوطن للجميع وفوق الجميع، وأن تكون السيادة كاملة بكمال العقل لا بغيابة، وأن يصبح الإقتصاد الوطني سلاحاً للوطن لا سلاحاً عليه، وأن تبقى الحقيقة شفافة بلا تضليل، وأن تبقى الوقائع كاملة بلا تشويه، وأن يوضع للألم حد وللمرض حد وللحزن حد وللفقر حد وللهجرة حد وللبطالة حد، وأن تراعى الحرمات بلا تعديات، وأن تتألق لغة التخاطب السياسي ضمن الأعراف ولا تخرج عن آدابها، وأن يبقى الإعلام ناقلاً صادقاً للحقائق والوقائع كما هي، وأن يكون الإعلان محتشماً ولا يخدش الحياء، وأن يبقى الإنسان محترماً ولا يفقد قيمته، وأن يبقى الأمل مطلوباً مهما بلغ اليأس، وأن يكون المستقبل مدروساً مهما بلغ الحاضر من بؤس. أيها الأخوة الأعزاء، لقد حملت الأيام والأسابيع القليلة الماضية على الصعيدين الداخلي والخارجي الكثير من التحديات والمخاطر والمتغيرات والمنعطفات، والتي نسأل الله عز وجل أن يحمي هذا الوطن ويمن عليه بهدوء الأنفس وصواب الرؤية وحكمة المواقف والأفعال، ودوام الإستقرار والطمأنينة. لقد دفع لبنان أرضاً وشعباً ومؤسسات ثمناً غالياً في السابق نتيجة أطماع الخارج وأخطاء الداخل، ونأمل أن يكون ما حدث في السابق درساً واعظاً للبنانيين لكي يضعوا مصلحة الوطن دائماً فوق أي اعتبار. نشكر دولة الرئيس رفيق الحريري لتكرمه برعاية حفلنا هذا، ومع شكرنا له نشكر جميع من لبى دعوتنا هذه على أمل اللقاء في العام المقبل في وضع أفضل. وكل عام وأنتم بخير. |