كلمة رئيس المؤسسات المهندس سعد الدين حسن خالد بسم الله الرحمن الرحيم
صاحب السماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور محمد رشيد راغب قباني دولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ رفيق الحريري ممثلاً بمعالي الأستاذ ميشال فرعون دولة الرئيس الدكتور سليم الحص
سنة تلو أخرى، نلتقي وإياكم في مثل هذه الأيام المباركة من هذا الشهر الكريم، الذي ميزه المولى عز وجل عن غيره من أشهر السنة فليلة من لياليه خير من ألف شهر، شهر رمضان شهر التوبة والمغفرة، شهر الصفح والتسامح، شهر الخير والتقرب إلى الله وإلى خلقه من المؤمنين الصادقين. أياماً معدودات، تزال فيها المسافات ما بين القلوب والأنفس، وتتحد فيها إرادة العطاء لتطال بنعمها هذا السائل أو ذاك، أو هذا الظمأ أو ذلك الرمق. شهر رمضان المبارك، شهر الإيمان والمحبة، شهر التلاقي ما بين الأيدي المباركة التي تُحدِّث بما منّ الله عليها من نعم وبين الأيدي المقهورة التي ضاقت بها سبل العيش، بعد أن أضحت مرهقة بما أصابها من فقر مدقع أو عجز مثقل عن سد حاجة أو مجابهة علة أو مرض. ومن هنا فإن المؤسسات الإجتماعية على الساحة اللبنانية كانت ولا تزال خير دليل على تطبيق تلك المعاني الطيبة والنبيلة الساعية دوماً إلى سد الحاجات والنقص في مجتمعنا وهي دليل واضح على التكاتف والتضامن ضمن مجتمعنا الذي يحتاج الكثير من العناية والرعاية خاصةً أمام ظروفنا الإقتصادية القاهرة وفترات التقهقر التي ما زلنا نعاني منها من جراء المشاكل التي عاشها وطننا الحبيب خلال حقبة طويلة من الزمن. وإنه لا يسعنا في هذا الشهر المبارك إلا أن ندعو جميع اللبنانيين للتضامن والتكاتف الإجتماعي من اجل النهوض بمجتمعنا اللبناني ومؤسساته في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان ، وفي هذه المناسبة لابد من أن نعرب عن شكرنا وتقديرنا للخطوة الجليلة التي قام بها دولة الرئيس رفيق الحريري بإتجاه جمعية المقاصد للتخفيف من أعباء الديون القابعة على كاهلها وهي خطوة رائدة نأمل أن تستكمل بخطوات كثيرة وكبيرة من مجتمعنا اللبناني عامةً ومجتمعنا البيروتي بشكل خاص، آملين أن تكون دافعاً خيراً لمن منّ الله عليهم بنعمة ليقوموا بدورهم بمد يد العون والمساعدة.
أيها الأخوة الأعزاء، لقد قطعت المؤسسة أشواطا نوعية خلال السنوات العشر الماضية وحققت وبحمد الله وبعونكم ودعمكم إنجازات لم تكن بمقدورها لولا دعمكم ، آملاً أن يكون الكتيب الذي بين أيديكم وافياً ويشرح ما تحقق من إنجازات وما لنا من تطلعات مستقبلية قريبة إن شاء الله ، ونحن كما عاهدناكم سنبقى الساعين دوماً إلى العمل الجاد مع مجتمعنا للوصول به الى ما نصبو إليه جميعاً من قدرة ومعرفة وعلم. وإذا كان الدعم المادي في مجال الخير يروي الزرع فإن الدعم المعنوي لا شك بأنه يؤمن الجو الملائم للنمو، وإذا كان من عادة اليد الخيرة أن لا تفصح عما سعت وتسعى إليه فإن من واجب من تمتد إليه تلك اليد أن تفصح عن ذلك. ونحن في هذا الإطار يشرفنا ويسعدنا أن نصارحكم بأن مؤسسة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد، كانت على الدوام ومنذ تأسيسها موضع رعاية جميع من تولوا المسؤولية في هذا الوطن، لم يبخل أحد منهم عن أي دعم مستطاع في سبيل دعم المؤسسة، ونخص بالذكر سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور محمد رشيد راغب قباني حفظه الله، وفخامة الرئيس إلياس الهرواي وفخامة الرئيس العماد إميل لحود، كما نخص بالذكر دولة الرئيس الدكتور سليم الحص الذي كان دائماً إلى جانبنا داعماً وراعياً وداعياً لنا بالتوفيق، كما نخص بالذكر جميع من وقفوا إلى جانبنا من أصحاب الدولة والمعالي والسعادة. وإذا كنا نقدر غالياً خطوة الرئيس رفيق الحريري المباركة تجاه جميعة المقاصد وخطواته الخيرة الأخرى المتوزعة في هذه البقعة أو تلك فإننا لا يسعنا إلى أن نوجه إليه جزيل الشكر والإمتنان لرعايته الدائمة لمؤسسة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد التي كانت دائماً موضع اهتمام يده الخيرة التي كانت تتسلل إلينا دعماً مادياً أو معنوياً أكان عبر دولته شخصياً او عبر مؤسسة الحريري المعطاءة.
أيها الأخوة الأعزاء ، لأن يد الخير لا تعرف تمييزاً مذهبياً أو طائفياً أو جغرافياً ولأن الأمر يتعلق بنا فإنه لا يسعنا إلا أن نكشف عنها رغماً عن إرادة صاحبها ونعلن لأهلنا في بيروت ولبنان عن قرب إنجاز المركز الثقافي التابع لمؤسسة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد بعد أن تكفلت مؤسسة عصام فارس الإجتماعية بكامل تكاليفه المادية، ولا يسعنا إلا أن نوجه لدولة نائب رئيس مجلس الوزراء الأستاذ عصام فارس جزيل شكرنا وتقديرنا لهذه المكرمة المباركة، ونتمنى أن يكون هذا المركز الثقافي في بيروت منارة جديدة تضاف إلى ما سبق من منارات مضيئة في هذه المدينة الطيبة، وصرحاً جديداً من صروح هذا الوطن العزيز. وإذا كنا نشكر كل هؤلاء الخيرين الأفاضل فإننالا ننسى جميع من وقف إلى جانبنا من أهلنا وإخواننا الطيبين في بيروت ولبنان الحاضرين اليوم بيننا والغائبين عنا، سائلين الله عز وجل لهم جميعاً ثواب ما فعلوا.
ايها السادة،، يأتي شهر رمضان هذا العام، وألسنة النار ترتفع غضباً وعدواناً في اصقاع متعددة من رحاب هذه الأمة، من جنين وغزة وغيرها من مدن فلسطين الصامدة، أرض المقدسات وموطن الشهداء، إلى ثغور جنوبنا الأغر في لبناننا المقاوم، قلعة الحرية ورمز العنفوان إلى عين الصاحب في سوريا الصمود، أرض التاريخ والكرامة، إلى بغداد وغيرها من مدن العراق العزيز، مهد الحضارات وعمق الزمان. ومن النار المتصاعدة غضباً وعدوناً نأتي إلى بقاع أخرى من بقاع أمتنا العزيزة حيث الغضب والعدوان يتخذان اشكالاً أخرى، نأتي إلى المملكة العربية السعودية، أرض الحرمين الشريفين، أرض الله المباركة، أرض البلد الأمين، حيث القلوب المؤمنة تقاوم أيدي الجهل والجاهلين، وتواجه حرب الضالين وطمع المستعمرين. ونحن وإياكم ندعو الله العلي القدير أن يمد بعونه أولياء الأمور في هذه الأمة لمجابهة هذا الجو العاصف الذي يلف الأجواء مهدداً بخطورته أمجاد الماضي وآمال المستقبل وقبلهما هذا الحاضر المرهق بما يحمل من معاناة وهموم وأثقال، ان الله سميع مجيب.
أيها الأخوة الأعزاء ، نأتي إلى لبناننا العزيز فنرى ضائقة معيشية توحد اللبنانيين، نرى بعض الثغرات السياسية التي نخشى فيما لو لم تعالج بالشكل الصحيح أن تنجح في تفرقهم لا سمح الله، وإذا كان الأمر الأول يتطلب اصلاحاً اقتصاديا ناجعاً، فلا شك أن الأمر الثاني يتطلب اصلاحاً سياسياً ضرورياً ، ليتحد الأمران معاً وينتقلا بالوطن نحو المستقبل الأفضل. ان الإصلاح الإقتصادي حتى ينجح، لا بد من اخراج الإقتصاد الوطني من ميدان التجاذبات السياسية أوالطائفية، ولا بد للإصلاح الإقتصادي من أن يرعي ضرورة ايجاد نوع من التوازن ما بين قدرة الدولة على العطاء وبين قدرة المجتمع على التحمل، ولا بد أيضاً للمجتمع أن يراعي ضرورة ايجاد نوع من السلوك الاستثنائي والمرحلي الذي يوازن ما بين قدرته على الحركة وبين قدرة الاقتصاد الوطني على امتصاصها. لقد دفع المواطن في لبنان ومعه الاقتصاد الوطني ثمناً باهظاً على مدى ربع قرن أو أكثر ، فقد تحمل المواطن في لبنان ومعه الاقتصاد الوطني ثمن حرب وتداعياتها وثمن السلم وضروراته، وتحمل ايضاً المزيد من الأعباء الناتجة من التبعات والتداعيات والسلبيات المتأتية من حروب الخليج الثلاثة وتحمل أيضاًُ تداعيات التوترات المتعددة المزمنة الناتجة عن الاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة في المنطقة ومن اطماع المصالح الدولية الاستعمارية القديمة والمتجددة. وفوق ذلك فإن المواطن في لبنان يدفع ما يزيد عن النصف قرن أو أكثر ثمن أنقطاع الصلة ما بينه وبين مغتربيه المهاجرين إلى شتى اصقاع الأرض الذين من المفترض أن يمثلوا رافداً اقتصادياً استراتيجياً مهماً للوطن ودعماً هائلاً له. والإصلاح السياسي حتى ينجح لا بد من أن يراعي ضرورة وضع قانون جديد للأحزاب يفصل ما بين العمل الطائفي وبين العمل السياسي، كما لا بد من أن يشمل أيضاً قانوناً جديداً للإنتخابات يؤمن من خلاله التمثيل الصحيح كما هو سائد في الدول التي سبقتنا في تطويرها لأنظمتها الإنتخابية، كما لا بد أن يشمل أيضاً قانوناً جديداً للامركزية الادارية وقانوناً جديداً للإدارة يجعلها مع متكيفة مع التكنولوجيا الجديدة التي توفر الجهد والوقت وتزيل اي نوع من الوساطة الدخيلة ما بين المواطن والدولة. ولا يسعنا في هذا المجال، إلا أن نرحب بما تقوم به الحكومة على صعيد انجاز قانون جديد للبلديات يضمن استقلاليتها وحرية عملها. ونخص بهذا التقدير مشروع القانون الموجود في مجلس النواب الذي يفترض ان يحقق لبلدية بيروت الممتازة امتيازها وقدرتها على العمل والانجاز.
أيها السادة،، إننا نرفض اي مساس بالأمن الوطني أو القومي أو أي مساس بالثوابت الوطنية والقومية، أو أي نوع من المراهنات التي تجعل من قضايانا الوطنية والقومية مادة في مسرح التجاذبات والخلافات الاقليمية والدولية، كما نرفض أي محاولة لجر الوطن إلى الوراء لا سمح الله. ونحن حريصون على وحدتنا الوطنية وضرورة زيادة صلابتها وحريصون أيضاً على لبنان السيد الحر المستقل ولأننا كذلك، فنحن نرفض اية محاولة لدق اسفين في مسرى العلاقات اللبنانية السورية، ونرفض ان يحاول اي طرف جعل نفسه حصان طروادة في حروب الاستعمار الجديد أو المتجدد ضد هذا الطرف العربي أو ذاك، وتأتي سوريا في طليعة الدول الواجب حمايتها ومساندتها كرد للدين او اتباعاً لتعاليم الدين والدنيا التي تستدعي مبادلة الوفاء بالوفاء والخير بالخير والود بالود، ونرفض ايضاً أي نوع من الأذى الذي يمكن أن يتعرض له عمقنا القومي في أية قلعة من قلاع هذه الأمة، كما نرفض اي موقف يمكن أن تعتبر أن ما يجري في فلسطين أو في العراق هي أمور خارج همومنا الوطنية. وإذا كنا نرفض كل هذا، فإننا نرفض أيضاً اي محاولة للإدعاء بإحتكار الوطنية التي يمكن أن يلجأ إليها طرف على حساب سواه من الأطراف الأخرى في لبنان ، كما نرفض اي محاولة للإدعاء بإحتكار العروبة التي يمكن ان يلجأ إليها فريق على حساب سواه من باقي الفرقاء في لبنان. ونرفض أيضاً اي تعامل غير متوازن تجاه أبناء الوطن الواحد، وأي نظرة غير عادلة تجاه تشكيلات الشعب الواحد.
أيها السادة، نشكر لكم تلبيتكم الكريمة لدعوتنا هذه، أعاد الله علينا وعليكم هذا الشهر المبارك وقد حررنا أنفسنا أولاً من الشوائب الدنيوية التي تفرق بيننا وندعو الله أن يتلطف بنا وبكم وبلبنانا العزيز وبأمتنا العربية من المخاطرة المحدقة والمتربصة، إنه سميع مجيب.وكل عام وأنتم بخير. |