كلمة رئيس مؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد . المهندس سعد الدين حسن خالد
في خضم الحالة السياسية المهترئة والاقتصادية الخانقة والاجتماعية المزرية والأخلاقية المتدنية وفي أحلك الظروف التي تمر بها الأمة العربية ولبنان وسوريا بالتحديد ، وقبل أن يتم الوفاق الوطني ، وتُؤَلف اللجنة الوطنية لإلغاء الطائفية البغيضة التي باتت تحكم حياتنا اليومية في أطر ومعايير ، وآفاق جديدة نفاجأ جميعاً بقرار مجلس الوزراء ممثلاً بكل أركان الحكم بإقرار مشروع الزواج المدني الذي يساهم في أحداث شرخ عميق في أساس الصيغة اللبنانية الفريدة التي يتطلع إليها كل اللبنانيين. فجأة وبسحر ساحر أصبح الزواج المدني موضوعاً ذات أهمية بالغة ، تطغى على باقي قضايانا المصيرية الملحة والمنتظرة بفارغ الصبر حلولاً ، تساهم إيجابياً في نضال المواطن اليومي، وتمسكه بوطنه لبنان ، الذي بات مركباً تعصف به رياح من هنا ومن هناك. أيها السادة، نحن بحاجة إلى مبادئ الأخلاق الفاضلة ، تهيمن برفق على مؤسساتنا الإجتماعية والسياسية ، ذلك أن الرسالة التي تضطلع بها هذه المؤسسات ، إنما هي رسالة تستأثر بالجزء الكبير من مسؤولية التوجيه والبناء ، فإن لم يكن فيها القدوة الحسنة التي يقتدى بها والتي عنها تؤخذ معاني الخير والفضيلة فإن خطر التفكك والإنحلال يهدد مجتمعنا في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التماسك والوحدة. نحن بحاجة إلى مبادئ الأخلاق الفاضلة ، توجه حياتنا الإقتصادية لنخلصها من شوائب الإستغلال ومساوئ الإحتكار ، وتجميع الثروات في يد القلة من الناس. والغريب أن القدوة السيئة في ذلك أصبحت تأتي غالباً ممن تتوفر له القدرة على أن يكون قدوة للخير ، وأن القدوة الحسنة أصبحت تأتي من الذين يفتقرون إلى العطاء ، وبهذا المعنى أصبحت الدولة الأضعف هي الأكثر ظلماً لبني البشر ، وأشد عدواناً على حرياتهم وحقوقهم وكراماتهم ، وأصبحت الدولة الضعف ، هي الدولة الأكثر تقديراً لمثل الإنسانية ، ولقيم العدالة ، ومفاهيم الإخاء بين البشر. ومهما قيل في الإسلام من تعريفات تختص بتنظيم حياة الفرد ، أو بالتركيز على نظام المجتمع كالقول بأن الإسلام نظام إجتماعي وإقتصادي أو أنه نظام سياسي، فإن الإسلام فوق هذا وقبله ، يبقى في مبدئه نظاماً أخلاقياً عاماً وشامـلاً، لأنه أخلاقي في تربية بنيه ، حتى وفي تنظيم إقتصاد مجتمعه ، وفي إشاعة العدل والمساواة بين الأفراد والجماعات في دولته ، لأنه أخلاقي في تنظيم سياسته . أيها السادة إننا من هذا المنطلق الأخلاقي ننظر إلى حياة المسلم في لبنان على أنها حياة منفتحة على الناس جميعاً ، على تنوع مذاهبهم ومعتقداتهم ، إنفتاح تعاون ومشاركة ومودة ، وفي إطار هذا المعنى يصبح التواد الإسلامي المسيحي في وطننا أول ثمرات هذا العطاء الخلقي الذي يمكن توظيفه ، في سبيل بناء لبنان أفضل على أسس مشتركة من الخير والحق والعدل ، وإن إشاعة العدالة والأمن والمساواة بين المواطنين ليس مطلباً أخلاقياً فحسب وإنما مطلب وطني أيضاً . وإذا كان توفير ذلك في لبنان اليوم ما زال يفتقر إلى المزيد من العمل ، فليس معناه إستحالة في نقل هذا الواقع المتخلف إلى رحاب الممكن الأفضل ، إذ ليس في الحياة من شيء بشري لا يقبل التغيير نحو الأسمى. وموقفنا الإسلامي من العدالة السياسية فلا يخفى على ذي عينين ، بأننا نحارب الاستغلال المسيء إلى كرامة الإنسان ومفاهيمه وقيمه ، وتعزز الديمقراطية في بلدنا وتأبى أن تتحول بالتدريج إلى واجهة خارجية في كثير من المواقف والتصرفات والأساليب . أيها السادة، إن إصرارنا على عدم تناول موضع الزواج المدني أصلاً وبهذه الخفة بمنئ عن التشاور المخلص والبناء والمتطلع إلى الحق والعدل والمساواة ، ينبع لدينا من إعتبارات وطنية خالصة ، لأننا نرى فيه وجهاً من وجوه المقاومة الإيجابية للطائفية العمياء في هذا البلد . والتعرض لصميم العقائد والتشريع في الأديان ليس مدخلاً ولن يكون لإلغاء الطائفية السياسية التي تعاني منها البلاد والعباد بل على العكس هو إلغاء لنموذج لبنان التعددي. إن رسالة لبنان اليوم ، رهن بهذا النمو الإيجابي لحركة الروح. لذلك فإنه يجدر بنا اليوم ، وفي المرحلة التي يتطلب منا الوطن البناء والتماسك والوحدة في الهدف والمصير ، أن نلتفت إلى كل ما يجمعنا ويحفظ حقوقنا ويوثق علاقتنا بوطننا ، وأن لا نتطرق إلى أمور تمس بعضنا في الصميم ، وفي قلب تشريعاتنا وشرائعنا. إن ما نشهده يومياً على الساحة اللبنانية ، من تعميق للروح الطائفية والمذهبية في لبنان ، والتي تنذر بخطر شديد في أساس لبنان ووجوده ، يحتم علينا أن نسرع في عملية إلغاء الطائفية السياسية ،التي لا تبدأ بإقرار مشروع الزواج المدني الإختياري والكف عن التدخل ، في أمور الطوائف الداخلية التنظيمية والتشريعية لتحقيق مأرب وأهداف بعيدة كل البعد عن الغيرة على مصلحة الوطن وأبناءه ، وإننا في هذه المناسبة نشد أيدينا على يديّ صاحب السماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الرئيس الأعلى لأكبر طائفةٍ في لبنان ونناشد دولة رئيس مجلس الوزراء وكل المسؤولين الغيورين على لبنان ، بالوقوف إلى جانبه وجانب كل رؤساء الطوائف الذين أبدوا إستنكارهم وعدم موافقتهم على هذا المشروع ومؤازرتهم في نضالهم في هذا الإطار الذي يصب في استعادة الثقة وعودة الطمأنينة إلى قلوب المواطنين للمساهمة إيجابياً في بناء لبنان الغد المبني على قواعد متينة تظلله العدالة والمساواة في ظل طوائف متعددة تثري المجتمع اللبناني بالفضائل والأخلاق الحميدة . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |