إذا كان الاسلام واحداً فلماذا يتفرق المتدنيون به؟ وإذا كانت القضية الوطنية واحدة فلماذا يتقاتل الوطنيون؟ **** لا كرامة لوطن يفتقد فيه المواطن عزته وكرامته. **** المقاومة حق مشروع لكل الشعوب التي تتطلع الى الاستقرار والحرية والسيادة وتقرير المصير. **** إن وحدة المسيحيين مسؤولية سياسية إسلامية ووحدة المسلمين مسؤولية سياسية مسيحية **** إن شريعة لبنان الحضاري هي شريعة الدين والعقل لا شريعة الهوى والقتل، وهي شريعة اللقاء والحوار لا شريعة الخصام والدمار **** إن أي فئة من الفئات لا يمكنها ان تبني لبنان على صورتها، سواء كانت حزبية أو طائفية أم عنصرية. **** إن لغة التخاطب مع العدو الدخيل على الجوار تختلف عن لغة التخاطب مع الشقيق المتعاون في حمى الديار. **** الكرامات التي يعتدي عليها العدو الاسرائيلي خليقة بأن تثير ضمير العالم ليتحرك الى جانبنا. **** إن تحرير الوطن يكون بتحريره من العدو الاسرائيلي وتوفير السيادة له كاملة غير منقوصة. **** إن الواقع المقطّع الأوصال والضائع في متاهات اللا أمن واللا استقرار، يُشجع كل صاحب غرض لأن يحقق غرضه، وخصوصاً العدو الإسرائيلي الذي يريد أن يلعب بالنار ويستغل الظروف. **** إن أعز نداءٍ إلى قلبي هو المحافظة على وحدة هذا الوطن وقوته وأن تعيشوا في ظلاله اخوة متلاقين متحابين في السراء والضراء فالقيمة الحقيقة للمواطن هي بما يعطي وطنه من مواهب لا بما يحققه لنفسه من مكاسب **** ان الخطر على لبنان من داخله إذا وزنت الوطنيةُ فيه بميزانين. **** من يطبق القانون بحزم في جهة ويتردد في تطبيقه في جهة أخرى يرد موارد الظلم. **** حريُّ بلبنان، أنشودة التلاقي بين المتدينين، أن يكون رائداً من رواد الحضارة الروحية في عصرنا. **** الطائفية هي تشنج صارخ بقشور الدين وانغلاق وحشي على الإنسانية وضياءها. **** إن لبنان بلد التلاقي الروحي لا الإبتزاز الديني، وان التدين ممارسة صادقة لحقيقة الدين وانفتاح مطلق على الإنسانية بأسرها. **** إننا نريد للبنان أن يكون بلد التعايش السياسي لا التعايش الطائفي. **** إن حقنا في وطننا ليس ملكاً يتصرف به البعض كما يهوى ويشتهي إنما هو أمانة نحملها في أعناقنا جميعاً لنسلمها إلى أحفادنا وإلى أجيالنا المقبلة. **** إن تحرير الوطن ينبغي ان توازيه حركة تحرير المواطن وتحقيق المساواة الوطنية التامة. **** إن من يزن العدل بميزانين يخطئ في حق لبنان. **** وحدة المسلمين والمسيحيين في وطنٍ واحد مسؤوليةٌُ لبنانية مشتركة **** إن تحرير المجتمع اللبناني لا يقوم إلا بتكامل الطاقات الإسلامية والمسيحية. **** المواطن اللبناني لا يكون كبيراً إلا إذا بسطت السلطة الشرعية ظلها على كامل تراب الوطن **** إن لبنان لا يمكن أن يكون إلا على صورةٍِ من التجانس البديع بين جميع طوائفه **** إن نهوض لبنان وتقدمه مرهونٌ بتحقيق العدالة والمساواة بين اللبنانيين ومناطقهم **** الطائفية السياسية والساسة الطائفيون كلاهما ينتفع بالآخر ويتغذى عليه وكل ذلك على حساب لبنان وسلامته وازدهاره. **** إن دعوتنا لوحدة المسلمين ليست إلا دعوة لوحدة اللبنانيين. **** إن أخطر العبودية المعاصرة هي عبودية الإنسان لأهوائه وشهواته التي أحبطت مستواه الخلقي والاجتماعي والحضاري. **** إننا لسنا من هواة إثارة الهالات من حولنا ولا نحب أسلوب العمل الفوضوي ولسنا تجار مبادىء. **** عروبة لبنان هي الشرط الأول لبقائه سيداً حراً مستقلاً. **** إن الإنهيارات الخلقية والإجتماعية على صعيد الأفراد والشعوب، ما هي في الواقع إلا نتيجة طبيعية لفقدان القدرة لدى الإنسان المعاصر على إقامة التوازن الدقيق بين الروح والمادة. **** إن مهمتنا هي أن نحكم بالعدل في نطاق صلاحياتنا وأن نطالب بالأفضل لشعبنا في نطاق الأدب والحكمة. **** لا ديمقراطية ولا عدالة بوجود الطائفية. ****
Apr 2024 27
السبت 18 شوال 1445
حكـــــمة الاسبـــــوع




لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه



سجـــــل الإصدقـــــاء
رســائـــل التضامـــــن
رســــائـــل التــحيـــة
الـــــى الشــــــــــهيد
16 أيار
روابــــــــــط
المســـابقة التشجيعيـة
اســـــتفتــــــــاء
هل انت مع سحب المبادرة العربية للسلام نتيجة المجزرة الاسرائيلية على سفينة المساعدات؟
إشترك نتائج
   الشيخ حسن خالد في الأعلام
   
   
 


العنوان : الإسلام والعدالة
التاريخ : 1977-03-15
المرجع : آراء ومواقف

عندما أردت اختيار موضوع هذه المحاضرة تردت بين أن أكتب في الإسلام والعلم، أو في الإسلام والعدالة اخترت أن تكون كلمتي في الإسلام والعدالة مع اعتراضي مسبقاً بأن موضوع العلم هام جداً لذاته ثم لما يصيب الإنسان منه فرداً أو جماعة و مؤسسة أو دولة من خير وبركة وهديً ولارتباط حياة الإنسان به ارتباطاً أساسياً يتحول بدونه شبه أصم وشبه أعمى فاقد الاتصال فيما حوله وعاجزاً عن التأثير والتأثر به لا يفقه شيئاً ولا يحسن عملاً ولا سلوكاً ، بل ولعلّ قيمة الإنسان في الحياة وسبب امتيازه على سواه من المخلوقات أنه ذات عالمة تدرك ما يحيط بها وتفقه ما تريد وتحسب على الغالب لكل أمر حسابه، وتعد لكل مهمة عدتها.

 وقد اخترت موضوع الإسلام والعدالة، لأهمية العدالة من حيث كونها إحدى ركائز انضباط الإنسان فرداً أو جماعة، ثم للظرف العصيب الذي يحدق بوطننا وشعبنا في هذه الحقبة من الزمن وحاجتنا الماسة إلى العدالة فيها.

 كانت العدالة مزامنة لوجود الإنسان، كما كانت مطلباً مقارناً لمطالبه الأساسية في حياته، ولقد رأى فعلها من أول يوم فتح عينيه على الدنيا كيف أنزل الله العقاب على إبليس لتمرده على أمر الله له بالسجود لآدم، ورآه يوم عصى ربه فأكل من الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها ويوم أهبطه الله إلى الأرض بعد أن تاب عليه وهداه حيث قال له ولزوجه بعد أن أمرهما بالهبوط من الجنة، « قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى،  قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا،  قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى » .

 ذلك أن مفهوم هذه الآية هو أن الله تعلى يعلّم آدم كما يعلم بنيه من خلاله ومن بعده، أنه ما خلقه عبثاً بل ليكون عبداً صالحاً مستجيباً لأمره ونهيه تحت طائلة المسؤولية وفي مظله العدالة الكاملة، وصحيح أن الله تعالى لم يصف نفسه في الكتاب بالعدل، ولكنه يقيناً نفى عن ذاته الظلم : « وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا».

وقال : « وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ »وقال : « وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ  » بل إنه قال عن نفسه في حديث قدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرماً بينكم فلا تظالموا" ونفي الله تعالى الظلم عن نفسه أشد تعبيراً عن عدالته من وصفه نفسه بالعدل لأن نفي الظلم عن الذات فيه كل التأكيد للعدل لها كما هو في علمه تعالى وكما يفهمه الناس ويتعارفون عليه أو مما لا يدركون أبعاده مما هو ظاهر في علم الله تعالى وخفي على الإنسان. وما قصة الخضر مع موسى عليهما السلام المروية في سورة الكهف بعيدة عن أحد...

 وإن التاريخ ليثبت فيما بعد أن الإنسان ظل طيلة دهره قبل ظهور الإسلام يترنح تحت كوابيس الظلم المختلفة التي كانت تسلط عليه بيد أخيه، سيداً أو سلطاناً أو عادياً من العامة دون أن يجد القوانين التي تكبحها وتضع حداً لها بيد حكم عادل بصير، والذين يقرءون مراحل انتشار الدين على أيدي الأنبياء والرسل عليهم السلام حتى ارتفاع عيسى عليه السلام ومن بعيد حتى ظهور الإسلام في المدينة المنورة وهيمنة على الجزيرة ، يرون ما كابده المصلحون من أولئك وأتباعهم من مصادرة وعذاب وإكراه وتهجير وقتل لمجرد قول كلمة الحق في وجه ذوي السلطان من الأكاسرة والقياصرة وولاتهم وقادة جندهم.

 ويرى المفكرون والمؤرخون المنصفون أن ظهور الإسلام في بداية القرن السابع الميلادي كان نقطة انعطاف رائعة بالإنسان من عهود الظلم والظلام وهدر قيمة الإنسان ، إلى عهد جديد أخذنا العدالة فيه مكانتها  ودورها وأشرقت آفاق الحياة معها للإنسان وشرعت ترتفع عنه الآصار المرهقة وتفك له الأغلال المعيقة وبدأت مساراً متطوراً تدعمه الحرية وتجمله الكرامة وتحميه عين العدالة الساهرة . وقد كان القرآن الكريم الموجه الأساسي للمسلمين يعلمهم بأن يسألوا الله تعالى : « رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ » ورضي الله عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي أطلق سؤاله مدوياً ومؤمناً في وجه عمر وبن العاص وإليه على مصر وقد وضع درته على رأسه تعبيراً عن قدرته على الاقتصاص : يا عمر متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً". 


 أيها الأخوة،
 لقد كان للإمبراطورية الرومانية قوانينها التي لا تزال مصدراً هاماً للقوانين الأوروبية الحديثة ، كما كان للإمبراطورية الكسروية أيضاً أنظمتها التي استفاد منها فقهاء الإسلام عند استنباطهم للأحكام الشرعية من الكتاب والسنة، تلك الأحكام التي كانت  تقتضيها حاجة الإنسان المسلم في صدر الإسلام ،ولكن تلك القوانين التي رعت حسب الظاهر عهود الرومان والفرس ضبط أمور الناس أفراداً وجماعات وتحقيق العدالة بينهم قد ظلت قوانين مادية يعوزها الكثير من اللمسات الروحية التي تشد بها وتبلورها وتصوغها الصياغة الصالحة ثم تدعمها لتطبق العدالة المنشودة التي تمهد السبيل للمجتمع الإنسان للصول إلى ما يصبو إليه من أمن وطمأنينة واستقرار عن طريق استفادتها من اتجاهات أفراده وميولهم ونزعاتهم الفطرية. ذلك لأن الله تعالى خلق الإنسان ليكون قادراً على الحياة وعلى التعامل مع ما حوله فآتاه من الطبائع والقوى الفطرية الوجدانية ما يساعده على التكيف ويضمن له الحصول على ما يفتقر إليه من مادتها ليصون به ذاته ويمكنها من متابعة العيش إلى أن يتحقق قدر الله، وهذا يستحيل أن يكون إلاّ في ظلال أنظمة وقوانين وأعراف تقدر هذه القوى وتتفاعل معها تنسيقاً وتنظيماً في الحدود التي تكفل له الفوز بمقاصده الهادفة إلى ضمان عيشه في مجتمعه في أجواء خيّرة توفر له الأمان والسلام .

 وقد انتبه الإسلام من مطلع عهده إلى التقصير الذي بنيت بعه الأنظمة السابقة وبخاصة الأنظمة الرومانية والكسروية فتوجه من منطلقه إلى الناس جميعاً إلى أسودهم وأبيضهم وأعجميهم وعربيهم وشرقيهم وغربيهم يخاطبهم ويخاطب الإنسانية بعقائده وأحكامه وأفكاره ومبادئه العامة والكلية . فلم يكن إقليمياً ولا قومياً ولا عنصرياً ولا مادياً ولا روحياً ولا رهبانياً بل ديناً ونظماً عاماً للبشر كافة وللإنسان بطبائعه الخاصة فقال اله تعالى : « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ»وقال : « قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا » وقال : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا »وقال :« يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ » لقد جاء يحمل لهم من الأحكام والعقائد والشرائع والوصايا والتوجيهات ما يناسبهم جميعاً ويأتلف مع طبائعهم وقطرهم دونما تفريق بن لون ولسان ولسان وعرق وعرق وقوم وقوم... على أن اختلاف الناس في ألوانهم وإشكالهم وألسنتهم وأفكارهم ومناطقهم ليس إلا لهدف دقيق وحكمة جليلة هما تيسير اللقاء بينهم وتوظيفه لاستثماره في تحقيق التعارف والتعاون لصالح مجتمعهم في إطار حميم من ألود والتراحم يحققان لهم تبادل الانتفاع بكل خيرات الأرض والسماء التي يسر الله الانتفاع بها في أجواء صادقة من تكريم الإنسان لأخيه الإنسان فنسأ العلاقات الإنسانية الطيبة الكريمة وتنتفي الحركات العدوانية الظالمة والاستغلالات المترنية عليها والمؤدية إلى استبعاد الإنسان لأخيه الإنسان أو لسترقافه أو استعماره يقول الله تعالى : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» .

 وعلى هذا فإنا نرى ضرر المحاجزات الإقليمية إلا في حدود حماية مصلحة الإنسان والوطنية الصادقة هي التي لا تبيح ممارسة الظلم ولا تعين عليه ،وهي التي توفر للمواطن في مجتمعه أجواء الأمان والطمأنينة . ومن أشد الظلم غلق الأبواب دون طالب الرزق والحيلولة دون تلاقي الناس ليتعارفوا ويتوادوا ويتعاونوا على البر والتقوى. وقد أنشأ النبي صلى الله عليه وسلم مجتمع المسلمين الأول من المهاجرين والأنصار ومن الوافدين عليه من قبائل ومناطق شتى لا تصلهم أنساب حتى ولا قرابات ولا ألوان ولا ألسنة، ولا تربط بينهم مصالح ولا أعراف، وإن العصبية ما تزال تُحَمْحم في نفوسهم ومع ذلك فقد ألفّ بينهم بالتآخي، وعقد لهم حلفاً مع اليهود أساسه التعاون على الخير وحماية الفضيلة ودفع الأذى والظلم عن الناس والذود عن المدينة من كل اعتداء فخط من أول يوم في سياسة الإسلام الدولية صورة مثالية للتعايش السلمي الذي ينافق الكثيرون اليوم وهم يتحدثون عنه ويعملون له...

 وهكذا فقد انطلق الإسلام من هذا المفهوم مشبعاً بروح العدالة والتسامح العام والتراحم الصادق حتى مع الأعداء فكان موقفه من قريش يوم فتح مكة مثلاً رائعاً في الصفح الجميل وهو يقول لأعدائه القرشيين قبلة أصحابه وأقربائه وأهله: «  قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ  » .

اذهبوا فأنتم الطلقاء بل إنه لمّما يروى أنه عندما أصابت قريشاً أزمة جائحة وبينه وبين زعمائها حروب، أرسل إليهم عندما علم بها مع حاطب ابن أبي بلتعة بشخص أبى شعبان خمسمائة دينار ليشتري بها فحماً ويوزعه على فقراء مكة ...

 أيها الأخوة 
 إن من ابرز سمات العدالة الإسلام أنه ما جاء يختص بقوم أو فئة من الناس يحصر فيهم ما يحمله من بر وتوجه إصلاحي بل جاء يحمل رسالته إلى الناس كافة كما علينا من قبل متبنية نهج التوسط والاعتدال. يوضح هذا ان القرآن الكريم يقول: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» قال المرحوم الشيخ رشيد رضا رحمه الله : « قالوا إن الوسط هو العدل والخيار وذلك لأن الزيادة على المطلوب في الأمر إفراط والنقص عن تفريط ميل عن الجادة القويمة فهو شر وندموم ... قال الأستاذ الإمام بعد إيراد هذا . وكن يقال لم أخير لفظ الوسط على لفظ الخيار مع أن هذا هو المقصود... والجواب من وجهين أحدهما أن وجه الاختيار هو التمهيد للتعليل الآتي فإن الشاهد على الشيء لا بد أن يكون عارفاً به... ومن كان متوسطاً بين شيئين فإنه يرى أحدهما من جانب وثانيهما من الجانب الآخر. وأما من كان في أحد الطرفين فلا يعرف حقيقة حال الطرف الآخر ولا حال الوسط أيضاً . وثانيهما أن في لفظ الوسط إشعاراً بالسببية فكأنه دليل على نفسه، أي أن المسلمين خيار وعدول لأنهم وسط، ليسوا من أرباب الغلو في الدين المفرطين ولا من أرباب التعطيل المفرطين فهم كذلك في العقائد والخلاق والأعمال، ذلك أن الناس كانوا قبل ظهور الإسلام على قسمين قسم تقضي عليه تقاليده بالمادية المحضة فلاهمّ لهم إلا الخطوط الجسدية كاليهود والمشركين وقسم تحكم عليه تقاليده بالروحانية الخالصة وترك الدنيا وما فيها من اللذات الجسمانية كالنصارى والصائبين وطوائف من وثنين الهند.

 ومن هنا نفهم أن الوسطية الإسلامية التي جعلنا الله عليها تحمل مفهوم المثالية بدليل أن بعض المفسرين أيضاً أوّلوا كلمة أوسطهم الواردة في قوله تعالى: « قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ » بمعنى أمثلهم وأعدلهم قولاً وهذا بادٍ في منهج الإسلام العام الذي اعتمده في الحياة جامعاً بين ما يغذي الروح وينمى قدراتها ويمتّع الجسد ويحميه فيرفع بذلك الإنسان روحياً إلى المستوى الوجداني الذي تتهذب معه النفس وتسمو عن سفاسف الأمور المادية وينتعش الجسد فيأخذ حظه من متطلبات شهواته وغرائزه الفطرية ويوجهها الوجهة الصالحة لتكون عوناً لسلوك طريق البر بدل أن تكون سبباً مفسداً يحرفه على طريق الشر والأذى قال الله تعالى: « وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ  » .

 وقد ورد عن صلى الله عليه وسلم قوله : «أعمل عمل ٱمرىءٍٍ يظن أن لن يموت أبداً واحذر حذرا مرىء يخشى أن يموت غداً» .

 فلم يشرع الإسلام عبادة ترمى إلى تعذيب الجسد أو إرهاقه لتنقية الروح لأنه لا يرى شرعية الرهبانية بدليل قوله تعالى: « وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ »  وقوله صلى الله عليه وسلم : «لا رهبانية في الإسلام» بل إن أعظم الرهبانية هو بأن يقوم المرء بعمل ينفع به قومه ومجتمعه كالمساهمة في بناء المؤسسات العامة التي تساعد الضعفاء والمتخلفين وتواسي المرضى والمقصرين، وكالذود عنه والدفاع عن حقوق أبنائه والتصدي لأعدائهم حتى الاستشهاد، ومن هنا كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :«رهبانية أمتي في الجهاد» ..

 أيها الأخوة،
 إنكم أنى ٱتجهتم في استطلاع فكر الإسلام رأيتم ٱهتمامه بالعدل وتركيزه عليه فالله تعالى إذ يذكر عبده ويمن عليه يقول : «يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ». ويروي الفخر الرازي عن مقائل في تفسيرها قوله : يريد عدل خلقك في العينين والأذنين والرجلين فلم يجعل إحدى اليدين أطول ولا إحدى العينين أوسع. ثم يقول: وتقريره ما عرف في علم التشريح أنه سبحانه ركب جانبي الجثة على التساوي حتى أنه لا تفاوت بين نصفيه لا في العظام ولا في أشكالها ولا في ثقتها ولا في الأوردة والشرايين والأعصاب النافذة فيها والخارجة منها ، فكان قوله تعالى « لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ » .

 إلى أن ا لحياة كلها في نظر الإسلام وحدة قائمة تناغم وحدتها وتماسك في نظام محكم، يظهر فيه العدل التكويني الذي قامت به السموات والأرض، فالماء بعد الهواء بعد والعناصر التكوينية كلها مما نعلم ولا تعلم وبها يقوم الخلق والكون يما فيهما أيضاً يقدر كما يقول الله تعالى: « وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ  » ويقول : « إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ » .

 وهكذا فإنا نستطيع القول بأن العدل الاجتماعي في الإسلام نفحة من نفحات العدل الرباني في الخلق والتكوين والتكليف الإلهي ليأتي البناء الاجتماعي على مثال العدل التكويني. فالعدالة هي إحدى الدعائم الكبرى التي يقوم عليها بنماء الجماعة، ، وإن كل جهد اجتماعي لا تواكبه العدالة ضائع ومهدور. وذلك كان قوله تعالى: «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ » فكل إنسان في نظر الإسلام مأخوذ بالعدل فله به حقوق وعليه واجبات يتعامل بها في مجتمعه حتى يظفر بحقه ويؤدي ما عليه بل وإن من أجمع آيات القرآن لمقاصد الإسلام قوله تعالى : «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  ».

 وهكذا فإن العدالة هي من أعظم القربان إلى رضوان الله في الإسلام ن والمؤمن مطالب بالحرص عليها مع نفسه ومع الناس على اختلاف أوصافهم،  وهي عدالة مقرونة بالرحمة مقرونة والرفق وموشحة بفيوض الإحسان الروحية التي تشحن القلب بالنور وتلهمه باتخاذ القرار العادل الفقيه الذي يعطى كل قضية حكمها المناسب يوضح هذا موقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عام الرمادة حيث توقف عن إقامة حدّ السرقة على السارق بسبب انتشار الجفاف والقحط والجوع وموقفه بعد أن تحقق للدولة ما تحقق لها من انتصارات حيث منع دفع الزكاة إلى المؤلفة قلوبهم وقال : كنا ندفع ذلك يوم كان الإسلام ضعيفاً.

 وقد دأب الإسلام على التركيز بإبراز العدالة في ناحيتين ، وهما:
 العدالة مع النفس، وهي عدالة ترشح من الضمير الذاتي تنعكس على سلوك الفرد فلا يسمح بأن يقرّر لنسفه من الحقوق إلا يمثل ما يقرّره لسواه، وهي العدالة التي تقرّب الناس بعضهم إلى بعض وتقوّي علاقاتهم وتزيدهم مودة وتلاحماً وتحاباً ، وهي أيضاً ما حض عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه قولاً وعملاً ، ومن أبرز أقواله في ذلك : « أحب لأخيك ما تحب لنفسك» وقوله: « عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به» كما أن أبرز أعماله في ذلك أنه كان مرة يقسم الغنائم فجاءه رجل وألبّ عليه فضربه بعود ، فأظهر الرجل الألم فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن طلب إليه أن يقتص منه فعفا الرجل .

 وقد سار صحابته من بعده، والصالحون على نهجه هذا مروى أن عمر بن الخطاب وهو الرجل الذي لم يفر أحد في الإسلام فرية كان شديداً على نفسه وعلى أهله وعلى ولاته في تطبيق العدالة وتنفيذ الأحكام الشرعية، وأنه ذات يوم ضرب أحد الأعراب بدرّته لأنه خالف أمره وطاف مع النساء في الوقت الذي كان فيه عمر قد ٱعتزم عزمه جعل فيها سناء زمناً لا يطوف فيه الرجال. فقال الرجل: «والله ما علمت لك عزمه. فإن كنت أسأت فإنك لم تحسن تأديبي وإن كنت لم أسيء فقد ظلمتني فأدرك عمر عجلته وأعطاه درتّه ليضربه بها، ولكن الأعرابي امتنع فقال عمر ٱعف عني: فأبى، فخرج عمر وبات ليلته معتكراً حتى أصبح ورآه الأعرابي في اليوم التالي وقد أثر الهّم على وجهه فقال له لعل هذا من كان بالأمس؟ فقال الإمام العادل: نعم!! فقال الرجل: الآن عفوت عنك. وقد كان عمر إذا سنّ نظاماً ودعا إليه الناس بدأ بأل الخطاب وقال لهم : لقد عزمت على الناس أمراً والله لا أرى له مخالفاُ من آل الخطاب إلا ضاعفت له العقاب وقد اقل القاضي أبو بكر أبن العريب: العدل بين نفسه هو بمنعهاً مما فيه هلالها قال الله تعالى : « وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى».

 أنا الناحية الثانية ، فهي العدالة في تطبيق القانون على ا لناس بحيث تضمن به المساواة بينهم، فلا يكون ثمة قانون للإشراف وآخر للسوقة، أو يكون قانون للبيض وآخر للملونين، أو يكون ثمة قانون ظاهر وآخر باطن يفيد منه الأقربون أو الذين ترتبط بهم بعض المنافع الخاصة، «فالناس سواسية كأسنان المشط» كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان عمر يأمر قضاته بالتسوية بين الخصوم حتى في المجلس والنظر والإشارة والإقبال ، فكان من كلامه في كتابه الذي وجهه إلى أبي موسى الأشعري: « سوّ بين الخصمين في مجلسك وإشارتك وإقبالك ،حتى لا يأس ضعيف من عدلك ولا يطمع قوي في حيفك» وكان من أوائل كلمات أبي بكر رضي الله عنه بعد ٱختياره للخلافة : « القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له».

 وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة العليا في الحرص على تنفيذ العدالة على الناس كافة حتى ليروى أن قريشاً أهتم بالمرأة المخزومية، وهي من أشراف قريش، التي سرقت فهم النبي أن يقطع يدها لتكرارها السرقة ولأن حد الله تعالى تجب إقامته ، فأرسلت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وهو حبّ رسول الله ليشفع عنده في ذلك ، فلما فعل غضب صلى الله عليه وسلم وقال له لائماً : « أتشفع في حدس من حدود الله» ثم وقف في الناس خطيباً وكان مما قال : « ما بال أقوام يتشفقون في حد من حدود الله » إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف قطعوه، وآيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لتقطعت يدها!!.

 والذي يؤسف أن هذا المبدأ العظيم في تطبيق العدالة بين الناس ضعفت مراعاته لدى تطبيق القوانين وأصبحنا نرى مع الزمن كثيراً من المطبقين لها وإن كانوا يسيرون في تنفيذ أقضيتهم على أساس المساواة إلا أنهم ينحرفون عند التطبيق فيصغرون جرائم الكبراء ويكبرون جرائم الضعفاء . ومن أجل ذلك كان من كان من آثار الطمع والعدوان الاجتماعي مما أفسد المجتمعات وصير أكثرها فوض يأكل فيها القوي الضعيف.

 ومن أجل هذا فإن الإسلام لم يكتف بأن يرسم العدالة ويأمر الناس بالتزام مبادئها، بل ٱتجه إلى وضع التشريعات المتعلقة بتنشئة الأفراد وتأديبهم على التربية التي تطبع في نفوسهم الحرص على العدالة والنفسية والعدالة الاجتماعية والعدالة القانونية ، فشرع لهم من العبادات والأنظمة ما يكفل تيسير تطبيقها وإقبال . ولذلك فإنما نرى الإسلام يجعل العلاقات بين الناس تقوم في المجتمع الواحد على روابط أدبية ووجدانية من التواد والتراحم والتواصل والتضحية وصدق المعاملة بالإضافة إلى الروابط المادية والمنعية ، فأنشأ مبدأ الأخوة في الدين فقال تعالى: «  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ »  ، وقال صلى الله عليه وسلم«لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخله ولا يحقره التقوى ها هنا وأشار إلى صدره بحسب ٱمرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم دمه وماله وعرضه  » .

 ثم نراه يعزز هذا المفهوم بالمعاني الروحية من خلال العبادات التي شرعها لهم وأمرهم بإقامتها ليلهم ونهارهم وبصورة رتيبة كالصلاة المفروضة أو المسنونة يومياً ، أو مرة في العام طيلة شهر يكالمه مثل صوم رمضان أو مرة في السنة كالزكاة أو مرة في العمر كالحج بحيث يكون منها على مدى الأيام تنمية لوجدان المسلم وتعزيز الضمير الفرد والجماعة ليصبح صاحبه مؤتلفاً مع الجماعة مترابطاً مع أفكارها ومشاربها وأهدافها فيؤثر مصلحتها على مصلحته ولو كانت به إليها حاجة ويحب الناس لا يحبهم إلا لله عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لنفسه ولا يؤمن أحدكم حيت يحب الشيء لا يحبه إلا لله» وقوله صلى الله عليه وسلم : « ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون  الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله كما يكره أن يلقي في النار»

 وبذلك يصبح محمد قال فيهم صلى الله عليه وسلم : « إن لله عباداً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانتهم من الله يوم القيامة قيل ومن يا رسول الله ؟ قال : قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام تربطهم ولا أموال يتعاطونها، والله أنهم لنور وإنهم لعلى نور، لا يحزنون إذا حزن الناس ولا يخافون إذا خاف الناس . يقول تعالى : «إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ».

 إن مهمة هذه العبادات أن نوطئ أكناف الناس وأن تديم صلة العبد بربه بما تسهله له من ذكر قائماً وراكعاً وساجداً مزكياً أو صائماً أو حاجاً أو متصدقاً أو ساعياً في الخير وتفتح الآفاق ليمارس الإحسان على أعلى المستويات بالمفهوم الذي شرحه الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام عندما سأله عنه« الإحسان أن نعبد الله كأنك تراه فإن لم تمكن فإنه يراك» وساعة يبلغ العبد هذه المرتبة من الإدراك والتصور يتكون في ضميره وعي بالغ الدقة بجعله شديد المراقبة والمحاسبة في كل ساعة له من سلوك قولاً وعملاً وينبثق عن ذلك إحساس رهيف بمفهوم العدالة لا يحيد عنه قيد شعره في تعامله مع الآخرين من أبناء وطنه أو سواهم أقارب كانوا أن أباعد .

 فليست العبادات والشرائع نشوراً ومظاهر وشكليات فارغة أراد أن يصورها البعض بل هي في العمق لدى الممارسين لها بصدق وفهم مفتاح كل خير وبر والمدخل إلى كل صلاح واستقامة.

 وإن بناء المجتمعات الإسلامية لا تعتمد على مرافق الدولة وعطائها بقدر ما تعتمد على بنية الفرد الصالحة فيها تلك البنية التي تتكون منذ نعومة أظفارها بفضل تدينها والتزامها تكوناً نظامياً تعرف به حدود وحقوقها وواجباتها فيرددوها بالقوة المادية والأدبية والفكرية التي بها يتعاونون ويتعاطفون فيما بينهم فيساعد الغني الفقير والقوي الضعيف بخاصة إذا كان جاراً وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى فقال : « ما زال جبريل يوصني بالجار حتى لظننت أنه سيورثه». وقال : « والله لا يؤمن وكررها ثلاثاً قالوا يا رسول الله ، قال من لا يؤمن جاره بوائقه» بل إنهم كثيراً ما يبادرون إلى إنشاء المرافق العامة ليستفيد منها العامة كالمساجد والمدارس والمستشفيات، ودور الحضانة والحمامات والخانات ومؤسسات الرعاية للأيتام والعجزة والمعاقين أو يسهمون في بناء الجسور وشق الطرقات أو يتكوعون للخدمات العامة . كل ذلك يماناً أنهم أعضاء أساسيون  بناء دولتهم تقوى بهم وتعتز إذا نشطوا بمساعدتها ، وتضعف وتهتز إن أرهقوا بالاتكال عليها وتحميلها أعباءهم وإثقالهم وحاجاتهم .

 وما أسوأ حظّ المجتمع الذي يتغلب فيه أفراده عبئاً ثقيلاً عليه يأخذون منه ولا يعطونه ويكلفونه ولا يتكلفون له ويطالبونه بسداد حقوقهم وهم عن واجباتهم مقصورن، حتى ولو كانوا يصلون ويصومون ويظهرون بمظاهر العبادة والصلاح، ذلك أن من العدالة في العبادة أن تتجه بصاحبها إلى توفير النفع للناس، وقد ورد « خير العمل ما نفع وخير الهدى ما تبع وخير الناس أنفعهم للناس» وقال صلى الله عليه وسلم «من زرع زرعاً أو غرس غرساً فأكل منه إنسان أو دابة كتب له به صدقه» .

 وقد وضع الإسلام بالإضافة إلى العبادات التشريعات المختلفة ليحمى مجتمع المسلمين وليرعى فيهم مفاهيم  العدالة فلا تضع فيهم حقوق ولا يعتدي على حدود ولا يظلم بينهم أحد. فوضع منها ما رعى مصلحتهم ، فهي من أكل أموال الناس بالباطل وصان للفرد ملكيته شرط أن يكون قد حصل عليها من كسب حلال... ووضع الزواجر التي تحرس المصالح وتضمن إقامة ميزان  العدل بين لناس كالحدود والقصاص والعقوبات التحريرية ونظم الأسرة تنظيماً عادلاً وجعل لكل من الزوجين حقوقاً وفرص عليه واجبات وأمره بأن يمارس حياته قيها بالعدل تحت طائلة المسؤولية أمام الله ثم أمام القانون . ولأول مرة في تاريخ الإنسانية تصبح المرأة بفضل الإسلام شريكة للرجل وشفقة له مثل الذي عليها بالمعروف لا تؤذي ولا تعضل ولها كل التقدير والتوفير في نظر زوجها وولدها وأهلها وتنال نصيبها من الإرث غير منقوص.

ومع ذلك فإن الشريعة الإسلامية في تكاليفها وأوامرها ونواهيها لم تكلف المسلم فوق ما يطيق كأن تكلفه بما يؤدي إلى تلف النفس أو المال اللهم إلا إذا كان في ذلك ما يؤدي على نفع إنساني عام يتكافأ مع ذلك كالجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الحق وللذود عن حياض الوطن ودفع المعتدين على أهل الحق ، وهو مع ذلك لم يجعله فرض  إلا في حالة خاصة تتعرض فيها الأمة لخطر لا يدفعه عنها إلا خروج كل مسلم بنية للدفاع عنها، وأما في الحالات العادية فقد جعله فرصة كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين . وعلى كل حال فإنه أمر الإنسان المسلم وكلفه في حدود طاقته فقال تعالى: « لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا» وقال صلى الله عليه وسلم : «عليكم من الأعمال يما تطبقون» فإن الله لا يحلّ حتى تحلوا وقال : «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله فإن المنيت لا أرضاً قطه ولا ظهراً أبقى ومن أجل هذا شرع من الأحكام ما يساعد على هذا  فشرع الفطر للصائم في المرضى وفي السفر وعند الفجر وشرع التيمم لفاقد الماء أو العاجز عن استعماله وشرع المسح على الخفين وغير ذلك ، وأقام بالإضافة إلى تقدم لدى المجتمع بصورة ذاتية رقابة ساهرة تنطلق من الأفراد بعضهم على بعض ومنهم على ا لمجتمع ككل ومن المجتمع على كل واحد منهم في حدود. كل ذلك ليضمن تكوين رأي عام فاضل وعادل ، فأوجب على الأمة أن يكون من بينها على وجه الوجوب الكفاني، ومن يتولى الإرشاد ليمتنع الأشرار عن شرورهم وليحمي أصحاب الوجدان الطيب، بل قد يوجبه عينياً على كل فرد يرى شراً وهو قادر على إبطاله وذلك ليمنعه بذاته ما لم يكن في عمله إفساداً للنظام أو تعريض للأمور بحيث تنقلب فوضى لا ضابط لها والمسمون بهذا الواقع يستحقون أن يصفهم الله تعالى بما وصفهم به في قوله: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ »أما إذا انحرفوا عنه وأهملوه وأسفوا وصدق فيهم قوله صلى الله عليه وسلم «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم بذنوبكم من لإنجاحكم ولا يرحمكم» . ويكون ما لهم فيما بعد تماماً مآل بني إسرائيل الذين قال الله تعالى فيهم: «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ».

 ولم ينتصر اهتمام الإسلام بإقامة العدل بين الناس والمساواة بينهم في الحقوق والواجبات بل جعل من موجباته تهيئة الفرص لهم جميعاًً لكي تظهر كل القدرات وتوضع كل قدرة في مرتبتها التي تستحقها، وأن تحقق الكفالة للعاجزين عن العمل من الصغار والمعاقين والمتخلفين لكي يتوفر لهم العيش الكريم وينالوا نصيبهم من الحياة فيصبحوا قوة في الجماعة فيما بعد أن ليأمنوا من الجوع والعري أو التشديد إن كانوا كباراً لا يرجى برؤهم. وجعل أيضاً من موجبات العدل أن يتوفر التعليم المستمر لكل الناس حتى تبرز المواهب ويعطي كل إنسان ما يصلح له من عمل ويخف النزوع إلى التحاقد والتحاسد، ولم يفهم الإسلام من العدالة الاجتماعية إلغاء الفقر وإزالة الطبقات الاجتماعية أصلاً ، بل فهمها على أنها بذل كل الجهود والطاقات لتخفيف الفوارق وتخفيف مآسيه ومضاره  النفسية والاجتماعية  على ألا يحرم فقير من حاجة أصلية كالقوت والكساء والمأوى  ولا تضيع قوى عاملة وتدر على الجماعة يعملها خيراً وتدفع عن نفسها وعن الحاجة شراً ، بل يشجع على العمل ويفتح أبوابه  وينفر من كل ما يدفع بالفرد على حالات العجز والفقر، وقد شجع الرسول صلى الله عليه وسلم على العمل اليدوي وقال : « ما أكل ابن آدم طعاماً خيراً من عمل يده وإن بني الله داوود كان يأكل من عمل يده» وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم النبي داوود لأنه كان ملكاً وقائداً عظيماً  ، ومع ذلك كان يأكل من عمل يده ولا يحيد أيّة غضاضة أو منقصة في ذلك . ولما جاء أحد الصحابة يسأل رسول الله صدقة من يبت المال وقد وجده قادراً قوياً ، فإن لم يعطه مالاً ولكن أعطاه فأساً ليحتطب بها ويأكل من عمل يده وورد انه شجعه وقال له : « لأن يحتطب أحدكم بفأسه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه».

 بيد أنه في حال تحقق عجز الفقير وقصوره كلف المسؤول بسداد حاجته وقال صلى الله عليه وسلم : « من ترك مالاً فلورثته ومن ترك كلاّ فإليّ وعليّ » وهو يعني أن من ترك ماً فإن ورثته يأخذونه وأما من ترك كلاّ أو   له فإن على محمد صلى الله عليه وسلم أو من نجعله باعتباره رئيس الدولة الإسلامية إعالته وسداً حاجة من خزانة  فإنه قد ثبت أنه لما وجد عمر بن الخطاب شيخاً ينكفف الناس وهو ضرير أخذه وأجرى عليه رزقاً  مستمراً  وقال لخازنة «أبحث عن أمثال هذا وأجر عليهم أرزاقاً ».

 وقد كان الإسلام على كل حال حريصاً على تطبيق العدالة في السلم وفي الحرب بين  المسلمين بعضهم مع بعض وبينهم وبين غيرهم فقال تعالى : « وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى » ويقول : « وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ» ويقول : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا  »  ويقول لهم بالنسبة لغيرهم : «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ  »  ويقول: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ» ويقول لهم : «وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » ونهى المسلمين عن توجيه القتال إلى المسالمين من أي دين فقال : « وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا » كل ذلك لأن القتال في الإسلام هو للدفاع عن النفس ولمنع الفتنة في الدين وإيذاء المتدينين وفي هذا يقول تعالى : «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ » ويقول: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ » وقد روي أن أهل وقد روي أن أهل صفدا وهي إقليم من سمرقند شكوا إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أن قائده قتيبة بن مسلم دخل ديارهم عنوةً وقبل أن يخيّرهم بين الدخول في الإسلام أو العهد أو  القتال ، والمراد بالعهد ميثاق عدم الاعتداء في القانون الحديث، فما كان من عمر إلا أن أرسل إلى قاضيه ليستمع إلى شكوى أهل سمرقند حتى إذا تبين له صدقها أمر القائد قتيبة بالانسحاب بجنده إلى ثكناتهم والخروج من الأرض التي فتحوها على أن يخيّر أهلها فيما بعد بين الأمور الثلاثة السابقة، وقد كان وتبين للقاضي صدقها فأمر الجند بالخروج من تلك الديار ثم بتخيير الناس بين عهد عادل أو دخول في الإسلام أو القتال.

 وقد ثبت أن هذه العدالة كانت مفروضة حتى مع الذين يجيئون إلى البلاد الإسلامية من رعايا الدول الأخرى مستأمنين أي طالبي الإقامة لتجارة أو سياحة أو غير ذلك فجعل بهم حال حصولهم على ذلك ما للمسلمين من حقوق وعليهم من واجبات تصان أموالهم وأنفسهم حتى ولو كانت دولتهم تقاتل المسلمين وذلك لأن رسول الله صلى اللهع ليه وسلم يقول : «المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً » ثم أنه في الوقت نفسه تطبق عليهم النظم الإسلامية المالية والحقوقية والجزائية ويحرم عليهم من المعاملات ما يحرم على المسلمين ويحل لهم منها ما يحل للمسلمين وذلك لأن هذه الأنظمة ما شرعت إلا لحماية الفضائل وصيانة أموال الناس وحقوقهم وأعرافهم من التلاعب والعدوان والفضائل لا تكون محمية من فئة من الناس ومهدورة مع فئة أخرى أياّ كانوا .

 ومن إقامة العدل الوفاء بالعهود وهو ما أمر به المسلمين حتى ولو كان على حساب مكاسبهم يقول الله تعالى : إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، أَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ، َلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» .
  

   رجوع القسم التالي  

جميع الحقوق محفوظة - في حال أردتم إستعمال نص أو صورة من هذا الموقع, الرجاء إرسال خطاب رسمي لمؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد
ارقام تهمك     فهرس الموقع     مواقع تهمك      روابط      من نحن       كفالة الأرامل و الأيتام    إتصل بنا     إدارة المؤسسة