إذا كان الاسلام واحداً فلماذا يتفرق المتدنيون به؟ وإذا كانت القضية الوطنية واحدة فلماذا يتقاتل الوطنيون؟ **** لا كرامة لوطن يفتقد فيه المواطن عزته وكرامته. **** المقاومة حق مشروع لكل الشعوب التي تتطلع الى الاستقرار والحرية والسيادة وتقرير المصير. **** إن وحدة المسيحيين مسؤولية سياسية إسلامية ووحدة المسلمين مسؤولية سياسية مسيحية **** إن شريعة لبنان الحضاري هي شريعة الدين والعقل لا شريعة الهوى والقتل، وهي شريعة اللقاء والحوار لا شريعة الخصام والدمار **** إن أي فئة من الفئات لا يمكنها ان تبني لبنان على صورتها، سواء كانت حزبية أو طائفية أم عنصرية. **** إن لغة التخاطب مع العدو الدخيل على الجوار تختلف عن لغة التخاطب مع الشقيق المتعاون في حمى الديار. **** الكرامات التي يعتدي عليها العدو الاسرائيلي خليقة بأن تثير ضمير العالم ليتحرك الى جانبنا. **** إن تحرير الوطن يكون بتحريره من العدو الاسرائيلي وتوفير السيادة له كاملة غير منقوصة. **** إن الواقع المقطّع الأوصال والضائع في متاهات اللا أمن واللا استقرار، يُشجع كل صاحب غرض لأن يحقق غرضه، وخصوصاً العدو الإسرائيلي الذي يريد أن يلعب بالنار ويستغل الظروف. **** إن أعز نداءٍ إلى قلبي هو المحافظة على وحدة هذا الوطن وقوته وأن تعيشوا في ظلاله اخوة متلاقين متحابين في السراء والضراء فالقيمة الحقيقة للمواطن هي بما يعطي وطنه من مواهب لا بما يحققه لنفسه من مكاسب **** ان الخطر على لبنان من داخله إذا وزنت الوطنيةُ فيه بميزانين. **** من يطبق القانون بحزم في جهة ويتردد في تطبيقه في جهة أخرى يرد موارد الظلم. **** حريُّ بلبنان، أنشودة التلاقي بين المتدينين، أن يكون رائداً من رواد الحضارة الروحية في عصرنا. **** الطائفية هي تشنج صارخ بقشور الدين وانغلاق وحشي على الإنسانية وضياءها. **** إن لبنان بلد التلاقي الروحي لا الإبتزاز الديني، وان التدين ممارسة صادقة لحقيقة الدين وانفتاح مطلق على الإنسانية بأسرها. **** إننا نريد للبنان أن يكون بلد التعايش السياسي لا التعايش الطائفي. **** إن حقنا في وطننا ليس ملكاً يتصرف به البعض كما يهوى ويشتهي إنما هو أمانة نحملها في أعناقنا جميعاً لنسلمها إلى أحفادنا وإلى أجيالنا المقبلة. **** إن تحرير الوطن ينبغي ان توازيه حركة تحرير المواطن وتحقيق المساواة الوطنية التامة. **** إن من يزن العدل بميزانين يخطئ في حق لبنان. **** وحدة المسلمين والمسيحيين في وطنٍ واحد مسؤوليةٌُ لبنانية مشتركة **** إن تحرير المجتمع اللبناني لا يقوم إلا بتكامل الطاقات الإسلامية والمسيحية. **** المواطن اللبناني لا يكون كبيراً إلا إذا بسطت السلطة الشرعية ظلها على كامل تراب الوطن **** إن لبنان لا يمكن أن يكون إلا على صورةٍِ من التجانس البديع بين جميع طوائفه **** إن نهوض لبنان وتقدمه مرهونٌ بتحقيق العدالة والمساواة بين اللبنانيين ومناطقهم **** الطائفية السياسية والساسة الطائفيون كلاهما ينتفع بالآخر ويتغذى عليه وكل ذلك على حساب لبنان وسلامته وازدهاره. **** إن دعوتنا لوحدة المسلمين ليست إلا دعوة لوحدة اللبنانيين. **** إن أخطر العبودية المعاصرة هي عبودية الإنسان لأهوائه وشهواته التي أحبطت مستواه الخلقي والاجتماعي والحضاري. **** إننا لسنا من هواة إثارة الهالات من حولنا ولا نحب أسلوب العمل الفوضوي ولسنا تجار مبادىء. **** عروبة لبنان هي الشرط الأول لبقائه سيداً حراً مستقلاً. **** إن الإنهيارات الخلقية والإجتماعية على صعيد الأفراد والشعوب، ما هي في الواقع إلا نتيجة طبيعية لفقدان القدرة لدى الإنسان المعاصر على إقامة التوازن الدقيق بين الروح والمادة. **** إن مهمتنا هي أن نحكم بالعدل في نطاق صلاحياتنا وأن نطالب بالأفضل لشعبنا في نطاق الأدب والحكمة. **** لا ديمقراطية ولا عدالة بوجود الطائفية. ****
Apr 2024 27
السبت 18 شوال 1445
حكـــــمة الاسبـــــوع




لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه



سجـــــل الإصدقـــــاء
رســائـــل التضامـــــن
رســــائـــل التــحيـــة
الـــــى الشــــــــــهيد
16 أيار
روابــــــــــط
المســـابقة التشجيعيـة
اســـــتفتــــــــاء
هل انت مع سحب المبادرة العربية للسلام نتيجة المجزرة الاسرائيلية على سفينة المساعدات؟
إشترك نتائج
   الشيخ حسن خالد في الأعلام
   
   
 


العنوان : الخلق والعقل.
التاريخ : 1973-12-18
المرجع : مجلة الفكر الإسلامي ـ السنة الرابعة ، العددان 11 و 12، شوال وذي القعدة 1393هـ / ت2 و ك1 1973م.

إن عجائب القرآن لا تنقضي ، وإشارته الدقيقة في مجالا ت العلم والغيب والفكر ، والاجتماع وغير ذلك أكثر وإدق من أن يقدر أحدنا على لمحها وتعقبها فضلاً عن سبر  أغوارها وأبعادها .

ومع ذلك فقد يفيض الله من كرمه على البعض وينبه أذهانهم الغافلة إلى بعض هذه العجائب .

ولعل منها قوله تعالى في سورة القلم: بسم الله الرحمن الرحيم «  ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ *  مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ *  وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » . يقول ابن كثير في وقوله تعالى : « مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ». ( أي ليست ولله الحمد بمجنون كما يقول الجهلة من قومك ، والمكذبون يما جئتهم به من الهدى والحق المبين فنسبوك فيه إلى الجنون).

يقول في الآية التالية : « أي بل إن لك الأجر العظيم والثواب الجزيل ، الذي لا ينقطع ولا يبيد على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق وصبرك على أذاهم ».

وأما قوله في الثانية فهو : كما قال العوفي عن ابن عباس : « وإنك لعلى دين عظيم وهو الإسلام ». وكذلك قال مجاهد وأبو مالك والسدي  والربيع بن أنس وكذا قال الضحاك وابن زيد ، وقال عطية : « لعلى أدب عظيم». وقال معمر عن قتادة : « سئلت عائشة عن خلق رسول الله (ص) فقالت : كان خلقه القرآن ، تقول كما هو في القرآن» .

ثم استرسل في نقل الروايات عن عائشة رضي الله عنها التي نقلت فيها أن خلق النبي (ص)  كان القرآن ثم يقول : «ومعنى هذا انه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجية له وخلقاً تطبّعه وترك طبعه الجبلي فهما أمر القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه هذا مع ما جبله عليه من الخلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خلق جميل كما  ثبت في الصحيحين عن أنس قال : « خدمت رسول الله (ص)   عشر سنين فما قال اف قط ولا قال لشيء فعلته : لم فعلته . ولا بشيء لم أفعله ، ألا فعلته . وكما (ص)   أحسن الناس خلقاً ولا أحسست خزاً ولا حريراً ولا شيئاً كان ألين من كف رسول الله (ص)  .

ويقول الألوسي في تفسيره في قوله تعالى : « مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ » « ... انتفى عنك الجنون في حال كونك متلبساً بنعمة ربك أي منعاً عليك بما أنعم من حصافة الرأي والنبوة والشهامة ، إلى أن يقول:  ... والتعرض لوصف الربوبية المنبئة عن التبليغ إلى معارج الكمال مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام لتشريفه (ص)، والإيذان بأنه تعالى يتم نعمته عليه ويبلغه في العلو إلى غاية لا غاية وراءها . والمراد تنزيهه (ص)   عما كانوا ينسبونه إليه من الجنون حسداً وعداوة ومكابرة».

ويقول في ا لآية الثالثة :  « وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ».  بعد أن أورد الحديث المروي عن السيدة عائشة رضي الله عنها في خلقه (ص) :«... وزعم بعضهم أن في الآية رمزاً إلى أن الأخلاق الحسنة مما لا تجامع الجنون ، وأنه كلما كان الإنسان أحسن أخلاقاً كان أبعد عن الجنون . ويلزم من ذلك أن سوء الخلق قريب من الجنون ».

****

ومن مراجعة بعض كتب الحديث نقع على ما يزيدنا فهماً لهذه الآيات وإدراكاً أبعادها وتحريراً لمقاصدها .

لقد نفى الله تبارك وتعالى في الآية الأولى تهمة الجنون عن الرسول (ص)  بصيغة لا مزيد عليها من حيث وضاحة التعبير وجزالة السبك وأخبرنا في الثانية والثالثة أن له (ص) عنده الأجر الجزيل والثواب الحسن وأنه (ص) على العكس مما يتهمون ذو خلق عظيم جم ورفيع ...

والقارئ العادي يقرر فيما بينه  وبين نفسه أنه كان المفروض أن يثبت الله تبارك وتعالى للنبي محمد (ص)  بمقابل نقيه تهمة الجنون عند الفكر الثاقب ، والعقل الحصيف ،  والفطنة الواعية والذهن الوقاد ... كان يفرض أن يركز الله رب العالمين ، على تأكيد ثبوت هذه الصفات لرسول الله بوجه نفي تلك الفرية الباطلة ليبرهن للناس جميعاً على كذب أولئك القوم وبطلان ما يدعون ...
ولكن شيئاً من هذا لم يكن . بل الذي كان الاكتفاء بتسجيل ما جبل عليه (ص)   من الصفات والطباع بقوله : «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ».

ويقف أحدنا طويلاً أمام هذا الأسلوب الذي اختاره الله تبارك وتعالى ، وهو يتساءل ويعجب ، ولكنه يعود بعد تعميق النظرة ومناقشة العبارة بدقة وبعد اجالة الفكر في احتمالاتها إلى الآقتناع بأن هذا  الأسلوب هو قمة البلاغة وأسمى ما يمكن أن ينتهي إليه التعبير الفصيح لترجمة المعنى المراد من مثل هذا  السياق ...

ولتوضيح هذا نضع بين يدي القارئ الكريم هذه النقول التالية : لبعض الأحاديث الواردة عن رسول الله (ص).

فقد نقل ابن المحبر من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه ، أن رسول الله (ص) قال : « إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم والقائم ولا يتم لرجل حسن خلقه حتى يتم عقله فعند ذلك تم إيمانه وأطاع ربه وعصى عدوه إبليس ».

ونقل أيضاً أن رسول الله (ص) قال : « ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى . وما تم إيمان عبد ولا استقام دينه حتى يكمل عقله ».

وفي رواية ثالثة عن ابن المحبر والترمذي الحكيم في النوادر عن عائشة رضي الله عنها : « قلت يا رسول الله بم يتفاضل الناس في الدنيا ؟ قال بالعقل : وفي الآخرة ؟ قال : بالعقل . قلت أليس إنما يجزون بأعمالهم ؟ ! فقال (ص)  يا عائشة وهل عملوا إلا بقدر ما أعطاهم عزّ وجل من العقل ؟ فبقدر ما أعطوه من العقل كانت أعمالهم ، وبقدر ما عملوا يجزون ».

وفي حديث آخر من نفس المصدر : « أتمكم عقلاً أشدكم لله تعالى خوفاً وأحسنكم فيما أمركم به ونهى عنه نظراً، وإن أقلكم تطوعاً ».

وقد قال (ص) لأبي الدرداء رضي الله عنه : « ازداد عقلاً تزدد من ربك قرباً . فقال : بأبي أنت وأمي ، كيف لي بذلك ؟ فقال « اجتنب محارم الله ، وأدّ فرائض الله سبحانه تكن عاقلاً . واعمل بالصالحات من الأعمال تزدد في عاجل الدنيا رفعة وكرامة وتنل في آجل العقبى بها من ربك عز وجل القرب والعزة » ابن المحبر...

وعن سعيد بن المسيب :  « أن عمر وأبي بن كعب وأبا هريرة  رضي الله عنهم دخلوا على رسول الله (ص)   فقالوا : « يا رسول الله من أعلم الناس ؟ فقال (ص) : « العاقل . قالوا فمن أعبد الناس ؟ قال : العاقل . قالوا : فمن أفضل الناس ؟ قال العاقل : » ابن المحبر .

****

ولو شئنا أن نسوق ما رود في هذا المعنى من الأحاديث لضاق به هذا المقام . ولكن المراد هو أن تجعل القارئ يدرك ويقتنع بأن العقل مصدر الخلق وأساسه ، وأن الخلق يجري منه مجرى الثمرة من الشجرة والنور من المصباح والبصر من العين ، والفكر من الروح .

العقل هو القوة يتهيأ بها للإنسان إدراك العلوم والمعارف والحقائق وتمييز الخبيث من الطيب في القول والفعل ، وعقد الموازنة بين الأمور ، واختيار ما حسن ونبذ ما قبح . ولقد قال فيه الحارث بن  أسد المحاسبي « كأنه نور يقذف في القلب فيستعد به الإنسان لإدراك الأشياء ».

إن هذا النور الربّاني العجيب الذي تنكشف به الأمور على حقيقتها فيمكن الإنسان من تمييز الأشياء بعضها من بعض ، وتفضيل بعضها على بعض واختيار ما يطيب منها ويصلح له وأبعاد ما يخبث منها ويفسده ، هو في الحقيقة الضابط لسلوك هذا الإنسان والمستحوذ على نزعاته النفسية وأهوائه وطباعه والقادر دوماً على جعلها في حدود تكميله وتجميله وتحبيبه إلى الناس .

والخلق الجميل صورة جميلة وصادقة للعقل الرشيد . والسلوك الصالح ترجمان مخلص للضمير الكامن وراءه الهادي إليه .

إن العقل بالنسبة إلى الخلق هو كالإنسان الجالس وراء مقود السيارة فإن سلكت بهدوء ومهارة وتجنبت المزالق ولم ترتطم بشيء ولم تصب مخلوقاً ولم تؤذ أحداً فبفضل من وراءها وإن كان العكس فبفعله ...

 ****

ولقد شاء رب العالمين ، وهو أعلم ، أن يبيّن في هذه الآيات أن المشركين من قريش كانوا يصفون محمداً (ص) بالجنون ، وأنه (ص) بريء من ذلك والمشركون مفترون مبطلون بل على العكس أرادت مشيئة الله تبارك وتعالى التأكيد بأن محمداً (ص)  ذو عقل كبير وفكر سليم وقلب بصير .

ولو اختار الله تعالى في ردّ هذه النعمة أن يقول : « أنه على نقيض زعمكم عاقل ولبيب لكان هذا القول مفتقراً إلى دليل ومحتملاً للرد والطعن .

ولكنه تبارك وتعالى اكتفى بأن ساق الدليل القاطع الذي يخرس الجاحدين المفترين وسكت عن المدلول عليه ، عبر عن الأثر لبروزه وثبوته وسكت عن المؤثر وترك القارئ والسامع يستخرجان البرهان الواضح على كذب ادعاء القرشيين وبطلان مقالتهم وسخف موقفهم . فقال : «مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ *  وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ».

والمعنى : « يا محمد لقد أحاطك الله بفضله وجلك بآثار نعمته فخلقك سوي الخلقة ورعاك في نشأتك ، فسخر لك الحاضنين والمربين حتى اشتد عودك وبلغت رشيداً ، فاجتباك وقربك واصطفاك لرسالته ، وأعلى  قدرك وهدى قلبك وأغنى نفسك وأدبك فأحسن تأديبك ، ومن المسلمات أنه يستحيل توفر هذه النعم لك وأنت محروم مما يشترك في الحصول عليه عاديو الناس بله الكافرون والجاحدون.

فهل يعقل أن يتغمدك الله بنعمته ويسعك برحمته وإحسانه ويختارك لهداية الناس ، ورعاية مصالحهم وتبصيرهم بالحق وصرفهم عن الباطل والشر والفساد ، ثم يكون بعد هذا كله مسلوب العقل حائر اللب ، ضائع الفؤاد ؟! إنهم بإساءتهم إليك يزيدونك عند الله فضلاً وأجراً وثواباً .

ألم يروا سلوكك الجميل فيهم وخلقك العظيم بينهم ؟ ألم يعهدوا بك الصدق والأمانة والعفة والشجاعة ؟ ويطمئنوا لإنصافك وعدلك ، ويفيدوا من سخائك ورفدك ؟ ألم يلجأوا إليك لحسم خلافاتهم رفض منازعتهم قبل أن تكون نبياً مرسلاً؟ ألم يرفعوك إلى المقام الذي تحسد عليه وينزلونك منهم السيد المطاع ؟

وكيف تفوز بهذه الأوصاف وتلك المكانة وأنت كما يدعون : مجنون وفاقد الاتزان؟

أما وقد شهدوا لك بأنك الأمين ، وأقروا لك بالفضل العميم فإنك إذاً صاحب الخلق العظيم الذي لايتم إلا فيمن كان ذا قلب كبير وفكر سديد وعقل رشيد ؟

****

ولعّله سبحانه وتعالى شاء بتسجيل هذا الخلق المجيد في ذات الرسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه في المناسبة التي كان يفرض فيها الرد على المفترين عليه بالجنون وإثبات نقيض هذا له وهو العقل الواعي الحصيف ، أن ينبه أذهان الناس على تقلب الأيام إلى ظاهرتين بارزتين :
أولاهما : أن عقل المرء ، وإن كان هو الأساس بالنسبة لخلقه وسلوكه ومسيرته ، إلا انه يبقى خبيثاً مستوراً ير بارز ، مجهولاً للآخرين حتى يكون تعامله معهم فيستقم أو ينحرف ويعف أو يطمع ، ويسخوا أو يبخل ، ويفسد أو يصلح، ويحسن أو يسيء ويشرف أو يسف ، فتظهر لهم حينذاك سيما هذا العقل وطبيعته ومدى ما يتمتع به من عمق وخبرة وحذاق واتزان فيحكم له أو عليه .

ثانيهما : أن قيمة العقل أو فضله تظهر بما يوفره لصاحبه من سلوك كريم وتعامل حسن وخلق طيب . وإن العقل كان للإنسان ليعينه على  متاعب الحياة فيخفف عنه من دواعي الشقاء فيها ويفسح له بالمناسبات والظروف التي تمكن له في الأرض وتقلل من المخاوف وتحقق له الأمان والطمأنينة وكل أسباب الراحة والسعادة . وإنه مهما سما هذا العقل واتسعت آفاقه ونمت معارفه وعلومه يبقى كأنه محروم من هذه الصفات إذا يسّر لصاحبه الانسياق في سبل الشر والأذى والتواءات العبث والفساد . فيما قيمة عقل يرخى لصاحبه العنان فيدعه يشرب الخمرة يسيء بها إلى ضياء قلبه ونور بصيرته ، أو يلعب القمار فتضيع أمواله ويخسر بها جهوده اليومية ومكاسبه منها ويعرضه لأشد الخصومات والعداوت التي تجر عليه الأحزان والآلام والقلق والاضطراب الدائم ، أو يأتي شيئاً مما أجمع الناس كل الناس على تقلب العصور واختلاف المفاهيم على فساده وضرره كالزنى والربا وعقوق الوالدين وغيرها من الموبقات والمثالب البشرية ؟
هل يفيده أن يقول الناس عنه إنه عاقل أريب وذكي ألمعي ومثقف واسع الفكر والمعرفة بينما هو يعيش أيام البؤس والشقاء ويغرق في ظلمات الجهالة ويعاني آلام العذاب الروحي والبدني ؟

إن الخلق الكريم في نفس الإنسان يظل بالنسبة إلى عقله الميزان الذي به يعرفه الناس على حقيقته ويقدرون له مكانته وحجمه ، ويدركون منه مدى طواعيته للحق والخير والعدل وما يمكن أن يكون منه من برّ بأخيه الإنسان وبمجتمعه الإنسان الكبير .

ومن هنا كان اهتمام الإنسان قديماً وحديثاً بالأخلاق وكان اهتمام الرسالة الإسلامية بها ، وكان قوله (ص) :« إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق » وقوله : (ص)« إن أحسن الحسن الخلق الحسن » وقوله  (ص) :« اتق الله حيثما كنت اتبع الحسنة السيئة تمحها وخالق الناس بخلق حسن » وقوله :  (ص)« الخلق كلهم عباد الله وأحبهم إليه أنفعهم لعباده » ...

فيا أخي القارئ  الكريم : حذار أن تكون ممن اهتم بعقله في حدود النظريات والمعارف والعلوم فراح يزداد منها مستفيد منها لنفسه التزاماً بما فيها من هدي ونور فانقلب في الحياة على نقيض مما يعلم ويعرف كما هو دأب الكثيرين من هؤلاء الذين يسمون أنفسهم أرباب المعرفة وأصحاب العلم ويجلسون وراء مكاتبهم يكتبون للناس أو يتصدرون لهم ليكونوا منهم في مكان المعلم والمؤدب  والمربي والموجه ! وضميرهم في أعماقهم يصرخ ثائراً وساخطاً على ما يراه منهم من هدم لما يبنون من صروح الحق والخير ونقض لما يغزلون من نسيج المحبة والعدل والكرامة الإنسانية !

حذار أيها الأخ وكن من الذين يفيدون مما يعملون ، ويتبعون أكرم المعاني التي يدركون ، فإنك حينذاك فقط تكون فائزاً برضى الله وراحة ضميرك ، وفائزاً بعبادة الدنيا والآخرة ، وليكن شعارك دوماً قوله تعالى : « وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ *  الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ  ».
   

   القسم السابق رجوع القسم التالي  

جميع الحقوق محفوظة - في حال أردتم إستعمال نص أو صورة من هذا الموقع, الرجاء إرسال خطاب رسمي لمؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد
ارقام تهمك     فهرس الموقع     مواقع تهمك      روابط      من نحن       كفالة الأرامل و الأيتام    إتصل بنا     إدارة المؤسسة