إذا كان الاسلام واحداً فلماذا يتفرق المتدنيون به؟ وإذا كانت القضية الوطنية واحدة فلماذا يتقاتل الوطنيون؟ **** لا كرامة لوطن يفتقد فيه المواطن عزته وكرامته. **** المقاومة حق مشروع لكل الشعوب التي تتطلع الى الاستقرار والحرية والسيادة وتقرير المصير. **** إن وحدة المسيحيين مسؤولية سياسية إسلامية ووحدة المسلمين مسؤولية سياسية مسيحية **** إن شريعة لبنان الحضاري هي شريعة الدين والعقل لا شريعة الهوى والقتل، وهي شريعة اللقاء والحوار لا شريعة الخصام والدمار **** إن أي فئة من الفئات لا يمكنها ان تبني لبنان على صورتها، سواء كانت حزبية أو طائفية أم عنصرية. **** إن لغة التخاطب مع العدو الدخيل على الجوار تختلف عن لغة التخاطب مع الشقيق المتعاون في حمى الديار. **** الكرامات التي يعتدي عليها العدو الاسرائيلي خليقة بأن تثير ضمير العالم ليتحرك الى جانبنا. **** إن تحرير الوطن يكون بتحريره من العدو الاسرائيلي وتوفير السيادة له كاملة غير منقوصة. **** إن الواقع المقطّع الأوصال والضائع في متاهات اللا أمن واللا استقرار، يُشجع كل صاحب غرض لأن يحقق غرضه، وخصوصاً العدو الإسرائيلي الذي يريد أن يلعب بالنار ويستغل الظروف. **** إن أعز نداءٍ إلى قلبي هو المحافظة على وحدة هذا الوطن وقوته وأن تعيشوا في ظلاله اخوة متلاقين متحابين في السراء والضراء فالقيمة الحقيقة للمواطن هي بما يعطي وطنه من مواهب لا بما يحققه لنفسه من مكاسب **** ان الخطر على لبنان من داخله إذا وزنت الوطنيةُ فيه بميزانين. **** من يطبق القانون بحزم في جهة ويتردد في تطبيقه في جهة أخرى يرد موارد الظلم. **** حريُّ بلبنان، أنشودة التلاقي بين المتدينين، أن يكون رائداً من رواد الحضارة الروحية في عصرنا. **** الطائفية هي تشنج صارخ بقشور الدين وانغلاق وحشي على الإنسانية وضياءها. **** إن لبنان بلد التلاقي الروحي لا الإبتزاز الديني، وان التدين ممارسة صادقة لحقيقة الدين وانفتاح مطلق على الإنسانية بأسرها. **** إننا نريد للبنان أن يكون بلد التعايش السياسي لا التعايش الطائفي. **** إن حقنا في وطننا ليس ملكاً يتصرف به البعض كما يهوى ويشتهي إنما هو أمانة نحملها في أعناقنا جميعاً لنسلمها إلى أحفادنا وإلى أجيالنا المقبلة. **** إن تحرير الوطن ينبغي ان توازيه حركة تحرير المواطن وتحقيق المساواة الوطنية التامة. **** إن من يزن العدل بميزانين يخطئ في حق لبنان. **** وحدة المسلمين والمسيحيين في وطنٍ واحد مسؤوليةٌُ لبنانية مشتركة **** إن تحرير المجتمع اللبناني لا يقوم إلا بتكامل الطاقات الإسلامية والمسيحية. **** المواطن اللبناني لا يكون كبيراً إلا إذا بسطت السلطة الشرعية ظلها على كامل تراب الوطن **** إن لبنان لا يمكن أن يكون إلا على صورةٍِ من التجانس البديع بين جميع طوائفه **** إن نهوض لبنان وتقدمه مرهونٌ بتحقيق العدالة والمساواة بين اللبنانيين ومناطقهم **** الطائفية السياسية والساسة الطائفيون كلاهما ينتفع بالآخر ويتغذى عليه وكل ذلك على حساب لبنان وسلامته وازدهاره. **** إن دعوتنا لوحدة المسلمين ليست إلا دعوة لوحدة اللبنانيين. **** إن أخطر العبودية المعاصرة هي عبودية الإنسان لأهوائه وشهواته التي أحبطت مستواه الخلقي والاجتماعي والحضاري. **** إننا لسنا من هواة إثارة الهالات من حولنا ولا نحب أسلوب العمل الفوضوي ولسنا تجار مبادىء. **** عروبة لبنان هي الشرط الأول لبقائه سيداً حراً مستقلاً. **** إن الإنهيارات الخلقية والإجتماعية على صعيد الأفراد والشعوب، ما هي في الواقع إلا نتيجة طبيعية لفقدان القدرة لدى الإنسان المعاصر على إقامة التوازن الدقيق بين الروح والمادة. **** إن مهمتنا هي أن نحكم بالعدل في نطاق صلاحياتنا وأن نطالب بالأفضل لشعبنا في نطاق الأدب والحكمة. **** لا ديمقراطية ولا عدالة بوجود الطائفية. ****
Apr 2024 27
السبت 18 شوال 1445
حكـــــمة الاسبـــــوع




لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه



سجـــــل الإصدقـــــاء
رســائـــل التضامـــــن
رســــائـــل التــحيـــة
الـــــى الشــــــــــهيد
16 أيار
روابــــــــــط
المســـابقة التشجيعيـة
اســـــتفتــــــــاء
هل انت مع سحب المبادرة العربية للسلام نتيجة المجزرة الاسرائيلية على سفينة المساعدات؟
إشترك نتائج
   الشيخ حسن خالد في الأعلام
   
   
 


العنوان : الوجهة الاجتماعية في رسالة المسجد
التاريخ : 1979-10-04
المرجع : مجلة الفكر الإسلامي ـ السنة الثامنة ، العدد العاشر ، ذو القعدة 1399هـ / تشرين الأول 1979م.

 يتجه الإسلام من خلال تنظيمه الرباني ، وجهة اجتماعية واضحة فهو مع دعوته الناس إلى مزيد من التعارف ، والتكامل والتعاون والتراحم فيما بينهم ، قد فرض على المسلم عدداً من العبادات ،هي ذات أبعاد اجتماعية صريحة ، كصلاة الجماعة لكل صلاة مفروضة ، وكفريضة الجمعة ، وفريضة الزكاة ، وفريضة الصوم ، وفريضة الحج ، بل إن الشهادة التي هي رأس أركان الإسلام الخمسة ، لها نفسها من البعد الاجتماعي الحقيقي ، ما يسمو بالمسلم فوق كل الدعوات الاجتماعية المعاصرة ، ذلك أن شهادة ان لا إله إلا الله ، تعني رفضاً صريحاً للعبودية لأي شيء ، هي رفض لعبودية المادة كما عند الماديين ، ورفض لعبودية المجتمع كما عند الاجتماعيين ، ورفض لعبودية السلطة كما عند السلطويين ، إنها بعبارة أخرى تحرير للإنسان من عبوديته للأشياء ، وتوجيه له إلى حريته الحقيقية في عبادة الله خالق الكون . ومعلوم ان الحرية لدى المفكرين المعاصرين هي أعلى ما يتجه إليه التفكير الاجتماعي ، وتزعم الدول والأنظمة المختلقة، رغم تعارضها انها تسعى لتحقيقها ، وتتوجه بسياساتها إليها ، مع ان الإسلام كان قد توجه إليها وحققها ، منذ أربعة عشر قرناً من الزمان ، حينما جعل الشهادتين في رأس أركانه الخمسة ، وحينما أكد رسول الله (ص)  مضمون هذه الحرية بالمسؤولية الاجتماعية في قوله « الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة ان لا إله إلا الله  وأدناها إماطة الأذى عن الطريق».

ومن الكلمات الجوامع التي ذاعت على ألسنة المفكرين القدامى ان الإنسان مدني بالطبع ، والمضمون الاجتماعي لهذه العبارة منتزع من واقع الإنسان ، فهو بطبيعته لا يطيق الانفراد طويلاً ، لأنه ينتهي به إلى أن يصبح معزولاً عن بيئته وجماعته ، وبالتالي ان يصبح محروماً من بعض كفاياته الشخصية والفكرية والاجتماعية والصحية ، فتبرز له عيوبه وهمومه ، ويشتد سقمه وشقاؤه. مثله في ذلك مثل الشجرة التي توجد في تربة فاقدة لبعض مقومات وجودها ونموها فإنها تنقلب رغم العناية والرعاية هزيلة صفراء فاقدة لعناصر نموها واطراد قوتها ، وسرعان ما تيبس.

ولا عجب بعد هذا أن يكون الإنسان قديماً قد تحرك بطبعه نحو تكوين الجماعة الإنسانية ، التماساً لتكميل معارفه وتوفير جهوده وطاقاته ورقته ، وتسهيل مهامه، وتعزيز مكاسبه وفوائده على كل صعيد . فضلاً عن ضمانة لراحته النفسية وسعادتها .

وقد انتبه العربي قديماً إلى هذا المعنى فأسس العائلة ثم القبيلة ولما برز قصى في قريش ورأى تبعثرهم حول مكة جمعهم وقال لهم : « أرى ان تصبحوا بأجمعكم في الحرم حول البيت ، فوالله لا تستحل العرب قتالكم ولا يستطيعون إخراجكم منه وتسكنونه فتسودوا العرب أبداً».

وكان من أنفع تجمعات قريش قديماً ، حلف الفضول ، الذي التقى فيه بنو هاشم وبنو المطلب وبنو اسد بن عبد العزى ، وبنو زهرة وبنو تميم في دار عبد الله بن جدعان ، وعمل لهم طعاماً ، وتحالفوا بالله العظيم ، لا يظلم أحد بمكة إلا كنا جميعاً مع المظلوم على الظالم ، حتى نأخذ له مظلمته ، شريفاً ووضيعاً ، منا أو من غيرنا ، وذلك بعد أن عدا العاصى بن وائل السهمي ، على رجل من بني زبيد ، ولم يدفع له ثمن البضاعة التي اشتراها منه ، ولم يجرؤ أحد من قريش على نصرة الزبيدي للحصول على ثمن بضاعته .

وقد شهد رسول الله (ص) هذا الحلف قبل نزول الوحي واغتبط به . وروى عنه قوله فيه ( شهدت غلاماً ، مع عمومتي ، حلف المطيبين ، فما يسرني ان لي حمر النعم واني انكثه).

ولما بعث رسول الله في مكة ، وكان من المشركين من قريش وجوارها ما كان ، كان لا بد من جمع صف المسلمين لمواجهة عدوان أعدائهم المشركين والمنافقين وأصحاب المنافع والمصالح ، فكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم التي جعل منها رسول الله (ص) مركزاً للقائه بأصحابه ، اخذوا عنه التوجيهات والوصايا التي تكفل نمو معارفهم الإسلامية النظامية ، وتعارف بعضهم على بعض وتعاونهم فيما بينهم ، كما تكفل تنسيق عملهم وتناصرهم ونمو عددهم واطراد تقدم دعوتهم وانتشارهم...

ويتضح من اختيار الرسول (ص)  لدار الأرقم ابن أبي الأرقم مركزاً للقائه بأصحابه ان النبي الكريم كان يرى ضرورة أن يكون لهذه الدعوة الإسلامية ذات التوجيهات الاجتماعية ناد يجتمع فيه المسلمون لممارسة مختلف شؤونهم الإسلامية .

في المدينة
وهكذا ... فإن النبي الكريم بعد هجرته (ص)  من مكة ، وقبيل وصوله إلى المدينة ، اناخ في قباء ، وبادر إلى رفع قواعد أول مسجد بني في الإسلام ، حيث صلى فيه أول جمعة ، وما ان وصل ( يثرب ) مدينة الرسول فيما بعد ، ونزل في بيت أبي أيوب الإنصاري حتى فكر في بناء مسجده فبادر إلى مربد سهل وسهيل ابني عمرو ، وكانا يتيمين في حجر أسعد بن زراره أو معاذ بن عفراء ، بعشرة دنانير ، ثم بنى مسجده باللبن ، وسقفه بالجريد وجعل عمده خشب النخل وقبلته إلى بيت المقدس ، كما جعل له ثلاثة أبواب باباً في مؤخرة ، وباباً يقال له باب الرحمة ، وباباً يدخل منه .

ولم يعرف عنه (ص)  طوال مدة استقراره في المدينة ، إنه اتخذ فيها داراً يعقد فيها اجتماعات أو ندوات مع أصحابه رضوان الله عليهم للتشاور والتذاكر ، بل الذي تيقن منه أن غالب لقاءاته (ص)  مع أصحابه للتشاور في شؤون الحياة كافة أو للموعظة والتعليم والتوعية والتوجيه ، كانت في مسجده . وقد روى أنه كان يخاطب فيه أولاً مستنداً إلى جذع ، ثم اتخذ المنبر ثلاث درجات ، بينه وبين الحائط ممر شاة ، فلما رقية للمرة الأولى خار الجذع كالبقرة فنزل (ص)  واحتضنه حتى سكن وقال : لو لم ألتزمه لحن إلى يوم القيامة .

وإنه لمن حق الفكر أن يتساءل لماذا بنى الرسول مسجده ولماذا يتخذ رسول الله (ص)  في دار هجرته ، دار لمشورته وأقضيته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، مع أن الإسلام هو دين التقدم والتطور ، في الوقت الذي نستطيع أن نؤكد فيه أن الإنسان العربي ، وغير العربي ، حين بدأ باتخاذ هذه الدور لتجميع أفراده ، وتوحيد فئاته ، وتدارس ما يتطلبه واقعها على كل صعيد ، من رأى وموقف وإجراء ، سلك طريق التطور والتقدم ، وانفتحت في وجهه الأفاق في كل المجالات ، حتى أصبح على ما هو عليه اليوم ، من إتساع المعرفة وشمول الفكر ، وسداد الرأي ، ونجاح الخبرة ، وتقدم العلم ، وإشراق الحضارة وازدهار المدينة . مع أنه (ص)  اتخذ في مكة وفي مطلع الدعوة دار الأرقم أبن أبي الأرقم...

نعم أن من حق الفكر أن يتساءل وان من واجبنا أن نجيب . لقد اتخذ رسول الله (ص)  في مطلع بعثته دار الأرقم التي لم تكن مسجداً ، مكاناً لسياسته الاجتماعية والإسلامية ، لأنه لم يكن قد استقر بعد في دار الإسلام ، فلما استقر به المقام لم يتخذ داراً .

ولكنه بنى مسجده للتأكيد على أهمية المسجد في هذه التوجيهات الإجتماعية والسياسية التي كان يمارسها فيه ، وعلى فضله على الدور الإجتماعية العادية .

وإنه (ص)  لم يتخذ في المدينة ، داراً لمشورته وتصريف أعماله الإجتماعية والسياسية وغيرها ، غير إنه اتخذ من مسجده الذي هو مكان صلاته وعبادته وخلوته التأملية تفكراً في خلق الله وآثاره ، مركزاً لمشورته كبار أصحابه ، ومداولتهم الفكر والرأي ، حول كبرى القضايا الجادة ، سواء كان ذلك في المعارك التي كانت تقع بينه وبين المشركين ، أو كان في تدبر كيدهم وتفهم مناهجهم في الكر والفر ، أو كان في تدبير أمر الناس وسياسة الحكم والقضاء فيهم ، أو كان في وضع الخطط للإصلاح الداخلي في شؤون الإجتماع والاقتصاد وغير ذلك ، مما يحقق علاجه ومدارسته خدمة إنسانية ، وكسباً جديداً في تطوير الوضع وتحسينه ، وإنجاح مهمته في تأسيس الدولة الناشئة.

نعم إنه (ص)  اتخذ من المسجد مركزاً لهذه النشاطات الدنيوية ، بالإضافة إلى ما يمتاز به من كونه في الأصل مكاناً للعبادة ،من الصلاة والذكر .

المسجد الراشدي
ولقد ائتم به (ص)  خلفاؤه الراشدون من بعده فاعتمدوا أسلوبه ، وجعلوا مسجده منطلقاً لأعمالهم الهامة وللقاءاتهم مع الناس وموئلهم  في الأزمات والملمات ومركزاً للتوجيه والتعليم والتهذيب الاجتماعي وإصدار التعليمات وعقد الألوية وإرسال البعوث والرسل ، وللحكم بين الناس في منازعاتهم وأقضيتهم ومركزاً للتشاور في القضايا السياسية العليا ، والمواقع الحربية والمعاهدات واستقبال الوفود وغيرها .

ويهمنا جداً هنا التأكيد على بروز الظاهرة الإجتماعية في الإسلام ، والتي كان المسجد منطلقها منذ عهد الرسول(ص)  ، حتى ليبدو لنا واضحاً أن العبادة فيه ليس علاقة فردية معزولة بين العبد وربه ، بلا علاقة شخصية تؤدي من العبد بينه وبين ربه عبر الجماعة ذاتها على أساس الفرائض التي الزمنا الله تعالى بها لترسيخ مبادئ التعارف والتراحم والتواصل بين العبادة وتعزيزاً لهدف تحقيق الحياة الفاضلة في المجتمع الفاضل ، وهذا واضح من قوله تعالى : «ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون».

ومن قوله : « وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ». وقوله : « لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا  ».

ومن المروى ، عن أبي هريرة رضي الله عنه انه قال : قال رسول الله (ص): «من أصبح منكم صائماً ؟ قال أبو بكر : أنا : قال : فمن تبع منكم جنازة ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال : فمن أطعم منكم مسكيناً؟ قال أبو بكر : أنا ، قال : فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال رسول الله (ص)  ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة ، أخرجه أحمد ومسلم .

خلفاء وأئمة
وإذا كانت هذه التوجيهات السياسية والاجتماعية تنطلق من المسجد في عهد الرسول (ص)  ، فلأن الرسول صلوات الله وسلامه عليه كان يقوم بدور الإمام ، والقاضي ، والقائد ، والحاكم ، والسياسي، والمعلم والمربي.

ولقد سار الخلفاء الراشدون على خطاه ، فكان خليفة رسول الله هو إمام المسجد ، وفي الوقت نفسه كان هو الحاكم والسياسي والقائد ، وكان هو المربي والمرشد ، وهو الذي يرعى المسلمين رعاية اجتماعية مباشرة .

وقصص الخلفاء الراشدين في هذه الرعاية كثيرة ، ويكفي هنا أن نذكر بما روى من أن عمر  الله عنه د عجوزاً عمياء في بعض ضواحي المدينة فكان يجيئها سحراً فيجد امرأ قد سبقه إليها فبرها وأحسن إليها ، واستسقى لها وأصلح من أمرها فيعجب منه ويزيد في البكور فلا يسبقه ، حتى رصده مرة من أول الليل ، فإذا هو أبو بكر الصديق وهو يومئذ خليفة رسول الله (ص).

ولقد كان الخلفاء يقومون بمثل هذه الرعاية الاجتماعية لشؤون المسلمين بصفتهم أئمة للمساجد آنذاك ، لأن المسجد كان كما رأينا هو المركز والمحور لكل نشاط ، سياسياً كان أو اقتصادياً أو تربوياً أو غير ذلك .

ولقد حدث فيما بعد عندما توسعت الدولة الإسلامية في عهود الخلفاء الأمويين والعباسيين ان انحسرت الوظيفة السياسية عن المسجد ، كما انحسرت بعض الوظائف الإدارية والاقتصادية عنه ، بعد نشأة الدواوين ومجالس القضاء والحكم واتساع رقعة الدولة ، وتنوع حاجات الناس ، حتى أصبح المسجد يضيق بها كلها بطبيعة الحال ، وحتى اقتصر النشاط على الوعظ بشكل خاص.

ولقد ساعد على حصر المسجد في إطار هذه الوظيفة الوعظية أن الخليفة لم يعد هو الذي يؤم الناس في الصلاة ، أو يخطب فيهم الجمعة ، فقد اقتضى مبدأ توزيع العمل أن ينصرف الخليفة إلى السياسة وإدارة شؤون البلاد الإسلامية الواسعة ، وعين للمساجد أئمة وخطباء ، متفرغين .

ومن هنا كانت غلبة انشغال إمام المسجد بإمامة المصلين ووعظهم وإرشادهم وانصرافه عن السياسة إلى الشؤون الدينية والاجتماعية فحسب ، غير أن انصراف الحاكم المسلم اليوم إلى السياسة وإدارة شؤون البلاد الإسلامية ، إذا كان بحد ذاته يشكل مبرراً لإمام المسجد كي لا يهتم اهتماماً مباشراً بالسياسة ، فإن عدم اهتمامه برعاية المسلمين ، كما كان يفعل الخلفاء الأئمة ليس ما يبرره على الإطلاق .

إن الناس الذين يتواجدون في المنطقة المحيطة بالمسجد ، لهم مشاكلهم العائلية والاقتصادية والتربوية والتعليمية ، التي تفتقر دوماً إلى رعاية إمام المسجد وسهره وحكمته وعنايته ليساعدهم على حلها عن طريق التشاور معهم بشأنها في الإسلام وتعاليمه .

إن رسول الله (ص)  حين اتخذ المسجد داراً تنطلق منه كل هذه النشاطات على اختلاف ألوانها وعلاقاتها الدنيوية أراد أن يربط بينها وبين العبادة ليدل على معنيين اثنين :
1. ان جميع هذه النشاطات ، وإن كانت دنيوية فإنه يمكن اعتبارها عبادة ربانية يؤجر عليها فاعلها أحسن الأجر ، إذا أداها بإخلاص مرتكزة الإيمان بالله والالتزام بحدوده والطاعة لأوامره واجتناب نواهيه .

فقد ثبت في الصحيح إنه (ص)  قال : « إلا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ صلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة وصلاح ذات البين من شؤون الدنيا .

ثبت في الصحيح إنه (ص)  قال في رده على الذين جاءوا يفضون إليه بشكواهم التي قالوا فيها : « يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم ، رد بقوله : « أو ليس الله قد جعل لكم ما تتصدقون به ؟ إن لكل تسبيحة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل تحميده صدقة ، وكل تهليله صدقة، أمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ، وفي بضع أحدكم صدقة » ، قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : « أرأيتم  لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ » فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر.

وثبت إنه (ص)  بين في حديث آخر متفق عليه : إن في العدل بين اثنين صدقة ، وفي إعانة الرجل في دابته فيحمله عليها أو يرفع له عليها متاعه صدقه ، والكلمة الطيبة صدقة ، وبكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة.

وكل هذه الأحاديث وغيرها مما هو في معناها ، ومما يمكن الاعتماد عليه لتأكيد هذا الاتجاه ، تفيد لدى عقد المقارنة بينها ، وتفسير بعضها ببعض إن كل عمل لابن آدم يؤديه مخلصاً لنفسه وبدنه من خلال إخلاصه لله وفي حدود ما أمره به ونهاه عنه أو إباحة له يؤجر عليه ويحسب له في حسناته عند الله ، وكل يؤجر ما عليه العبد هو عبادة لأنه ما أداه في حدود هذا المفهوم إلا لأنه يشعر بعبوديته لله سبحانه وتعالى .

والعبادة منها ما هو ظاهر كالفرائض التي فرضها الله تعالى على العباد أو النوافل التي سنها رسول الله (ص)  ، ومنها ما هو خفي قائم في سلوك الإنسان المطلق وتعامله العام على اختلاف أحواله ، عملاً مع نفسه أو مع الآخرين ، اجتماعياً أو إدراياً أو عملياً أو سياسياً أو اقتصادياً أو غير ذلك شرط أن يكون القائم به متذكراً الله تعالى ، وملتزماً مسبقاً بحدوده وقاصداً الحصول على مثوبته ورضاه .

وقد ورد في الحديث القدسي : ما تقرب إلى عبدي بشيء احب إلى مما افترضته عليه وما يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي به يسمع وبصره الذي به يبصر ويده التي بها يبطش ورجله التي بها يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مساءته.

وقد ورد في بعض الأخبار إطلاق العبادة على الصمت ، كما ورد أن خير الناس أنفعهم للناس وإن الدين المعاملة ، وغير ذلك من الأخبار والأحاديث التي يمكن اتخاذها قاعدة لمنطلق تؤكد فيه إمكان وصف أعمال الإنسان كافة بالعبادة ما استقام  فيها وما التزم الصلة بالله والذكر له ، مما يمكن أن يكون مشجعاً لإمام المسجد ، أو مشجعاً للذين يخططون لإقامة المساجد في أرجاء الأرض .

وفي ضوء هذا المنطلق يمكن القول بأن الإسلام لا يعرف الفصل في شؤون الحياة بين العبادة الروحية والعمل الحياتي من حيث الباعث ، ومن حيث الهدف والثمرة ، كما هو شأن بعض من ينتسبون إلى الدين ممن يفصلون بين السياسة والدين ، والعلم والدين ، والعمل الإجتماعي والدين ، وهم في ذلك يخربون ما شاء الله تعالى له البناء ، ويفسدون ما أحب الله أن يكون فيه الصلاح والعمران والسعادة للناس أجمعين ، وإن الإسلام وحدة كاملة ترى في الصلاة كما في الصوم والزكاة والحج ، وترى في الحرب وفي السلم والبيع والشراء والخصام والوئام والقضاء ، وترى في الإنسان في كل شأن من شؤونه .

بل إن العبادة الظاهرة التي افترضها الله تعالى على عباده في الصلاة والصوم والحج والزكاة ، نجدها فرضت لتكون وسيلة بناء لشخصية المسلم الفاضل الذي يكسب فيها مع التكرار والالتزام شحنة خير تزكيه وتصلحه وتقوم سلوكه وإلا فكيف يمكننا أن نفهم قوله تعالى : « اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ  » وقوله (ص)  في الصوم : « من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه » وفي الحج : « من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه »... وغير ذلك من الأحاديث في الصلاة وغيرها من العبادات وكلها تؤكد أن هذه العبادات كلها قد فرضها الله تعالى على المسلم لتزكي سلوكه ولتدفعه في طريق الفضل والإحسان .

فإذا كان (ص)  قد اختار المسجد ليكون مكاناً لمختلف أعماله الحياتية العامة ، فقد شاءوا والله أعلم أن يثبت في نفوس اتباعه معنى ارتباط عبادة الله تعالى مع العمل الدنيوي العام في كون كل منهما مأجوراً من الله وينبغي الإخلاص فيه ومحاسبة النفس عنده وعدم التفريط بشيء منه .

إنه (ص)  شاءوا لله تعالى أعلم أن تكون ممارسة هذه الأعمال بالمساجد ليجعلها دوماً في ظلال أنوار الله تواكبها قلوب الناس الطاهرة التي صقلتها العبادة ومخافة الله ، فيكتب لها التوفيق ويجانبها الفشل لكمال الإخلاص فيها خصوصاً وإن الإنسان في هذه الأجواء النقية يقرب من الله ، ويبعد عن وساوس الشيطان الذي لا يكتسب له نصيب في الدخول إلى المساجد فضلاً عن الأخبار الواردة التي تثبت نزول السكينة على مجالسها التي هي مجالس ذكر ومدارسة القرآن وتلاوة وغشيان الرحمة لها وإحاطة الملائكة بها ، فيكون دوماً أو في الغالب التوفيق والسداد والرشاد حليفها .

وإن غالبية مجتمعاتنا اليوم قد تجافت عن الدين بأنظمتها ومناهجها وسياستها ومراكز قوتها وتحركاتها اجتماعية كانت أو إعلامية أو تعليمية أو غير ذلك مسايرة للغير واستئناساً بمذاهبهم وأساليبهم في الحياة والعمل وتنكراً وجحوداً لفضل الدين وبعيداً عن المساجد ودور العبادة .

وإياً كان الأمر ، فإن كل هذا لا يجوز أن يستمر ، ويجب أن يعود الحكم بكل ظروفه ومؤسساته ومنطلقاته إلى الدين وأنظمته وآدابه وفلسفاته ، لأن ما جاز لغيرنا فعله لا يجوز أن يكون منا ، وديننا دين شريعة وعقيدة وسلوك لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قد اكتمل من كل الوجوه ن وهو صالح للمجتمعات الإنسانية في كل زمان ومكان .

واتخاذ المساجد مراكز قوى إسلامية تنمو فيها حركات التجمعات الإسلامية وتنشر نشاطاتها في أكثر المجالات الإجتماعية بعد أوقات الصلاة والعبادة المفروضة ، انتهاج جديد يعود بنا إلى المنطلق الإسلامي الأول ويكفل لنا مع التنظيم والعلم الرشيد والحكمة والوعي سبيل التقدم والتوفيق بإذن الله .

   القسم السابق رجوع القسم التالي  

جميع الحقوق محفوظة - في حال أردتم إستعمال نص أو صورة من هذا الموقع, الرجاء إرسال خطاب رسمي لمؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد
ارقام تهمك     فهرس الموقع     مواقع تهمك      روابط      من نحن       كفالة الأرامل و الأيتام    إتصل بنا     إدارة المؤسسة