إذا كان الاسلام واحداً فلماذا يتفرق المتدنيون به؟ وإذا كانت القضية الوطنية واحدة فلماذا يتقاتل الوطنيون؟ **** لا كرامة لوطن يفتقد فيه المواطن عزته وكرامته. **** المقاومة حق مشروع لكل الشعوب التي تتطلع الى الاستقرار والحرية والسيادة وتقرير المصير. **** إن وحدة المسيحيين مسؤولية سياسية إسلامية ووحدة المسلمين مسؤولية سياسية مسيحية **** إن شريعة لبنان الحضاري هي شريعة الدين والعقل لا شريعة الهوى والقتل، وهي شريعة اللقاء والحوار لا شريعة الخصام والدمار **** إن أي فئة من الفئات لا يمكنها ان تبني لبنان على صورتها، سواء كانت حزبية أو طائفية أم عنصرية. **** إن لغة التخاطب مع العدو الدخيل على الجوار تختلف عن لغة التخاطب مع الشقيق المتعاون في حمى الديار. **** الكرامات التي يعتدي عليها العدو الاسرائيلي خليقة بأن تثير ضمير العالم ليتحرك الى جانبنا. **** إن تحرير الوطن يكون بتحريره من العدو الاسرائيلي وتوفير السيادة له كاملة غير منقوصة. **** إن الواقع المقطّع الأوصال والضائع في متاهات اللا أمن واللا استقرار، يُشجع كل صاحب غرض لأن يحقق غرضه، وخصوصاً العدو الإسرائيلي الذي يريد أن يلعب بالنار ويستغل الظروف. **** إن أعز نداءٍ إلى قلبي هو المحافظة على وحدة هذا الوطن وقوته وأن تعيشوا في ظلاله اخوة متلاقين متحابين في السراء والضراء فالقيمة الحقيقة للمواطن هي بما يعطي وطنه من مواهب لا بما يحققه لنفسه من مكاسب **** ان الخطر على لبنان من داخله إذا وزنت الوطنيةُ فيه بميزانين. **** من يطبق القانون بحزم في جهة ويتردد في تطبيقه في جهة أخرى يرد موارد الظلم. **** حريُّ بلبنان، أنشودة التلاقي بين المتدينين، أن يكون رائداً من رواد الحضارة الروحية في عصرنا. **** الطائفية هي تشنج صارخ بقشور الدين وانغلاق وحشي على الإنسانية وضياءها. **** إن لبنان بلد التلاقي الروحي لا الإبتزاز الديني، وان التدين ممارسة صادقة لحقيقة الدين وانفتاح مطلق على الإنسانية بأسرها. **** إننا نريد للبنان أن يكون بلد التعايش السياسي لا التعايش الطائفي. **** إن حقنا في وطننا ليس ملكاً يتصرف به البعض كما يهوى ويشتهي إنما هو أمانة نحملها في أعناقنا جميعاً لنسلمها إلى أحفادنا وإلى أجيالنا المقبلة. **** إن تحرير الوطن ينبغي ان توازيه حركة تحرير المواطن وتحقيق المساواة الوطنية التامة. **** إن من يزن العدل بميزانين يخطئ في حق لبنان. **** وحدة المسلمين والمسيحيين في وطنٍ واحد مسؤوليةٌُ لبنانية مشتركة **** إن تحرير المجتمع اللبناني لا يقوم إلا بتكامل الطاقات الإسلامية والمسيحية. **** المواطن اللبناني لا يكون كبيراً إلا إذا بسطت السلطة الشرعية ظلها على كامل تراب الوطن **** إن لبنان لا يمكن أن يكون إلا على صورةٍِ من التجانس البديع بين جميع طوائفه **** إن نهوض لبنان وتقدمه مرهونٌ بتحقيق العدالة والمساواة بين اللبنانيين ومناطقهم **** الطائفية السياسية والساسة الطائفيون كلاهما ينتفع بالآخر ويتغذى عليه وكل ذلك على حساب لبنان وسلامته وازدهاره. **** إن دعوتنا لوحدة المسلمين ليست إلا دعوة لوحدة اللبنانيين. **** إن أخطر العبودية المعاصرة هي عبودية الإنسان لأهوائه وشهواته التي أحبطت مستواه الخلقي والاجتماعي والحضاري. **** إننا لسنا من هواة إثارة الهالات من حولنا ولا نحب أسلوب العمل الفوضوي ولسنا تجار مبادىء. **** عروبة لبنان هي الشرط الأول لبقائه سيداً حراً مستقلاً. **** إن الإنهيارات الخلقية والإجتماعية على صعيد الأفراد والشعوب، ما هي في الواقع إلا نتيجة طبيعية لفقدان القدرة لدى الإنسان المعاصر على إقامة التوازن الدقيق بين الروح والمادة. **** إن مهمتنا هي أن نحكم بالعدل في نطاق صلاحياتنا وأن نطالب بالأفضل لشعبنا في نطاق الأدب والحكمة. **** لا ديمقراطية ولا عدالة بوجود الطائفية. ****
May 2024 02
الخميس 23 شوال 1445
حكـــــمة الاسبـــــوع




لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه



سجـــــل الإصدقـــــاء
رســائـــل التضامـــــن
رســــائـــل التــحيـــة
الـــــى الشــــــــــهيد
16 أيار
روابــــــــــط
المســـابقة التشجيعيـة
اســـــتفتــــــــاء
هل انت مع سحب المبادرة العربية للسلام نتيجة المجزرة الاسرائيلية على سفينة المساعدات؟
إشترك نتائج
   الشيخ حسن خالد في الأعلام
   
   
 


العنوان : قصة رئاسة - مع المفتي حسن خالد
التاريخ : 1988-06-27
المرجع : الشرق الأوسط

"أدعو الى مواجهة الاستحقاق الرئاسي بمرشح واحد، موضوع وفاق وطني، فيكون رئيس إجماع، دون منافسين. بهذه الطريقة، فقط، ننتصر على خوفنا من نهاية المهلة الدستورية، وعلى عجزنا عن عقد جلسة نيابية، وعن تأمين النصاب والمناخ الوفاقي. ولسوف يكون الإجماع فعل إيمان بالوطن الواحد الموحّد.

وكذلك فإن الإجماع سوف يطبع ولادة الجمهورية الثانية، بموافقة جميع اللبنانيين، وبإرادتهم".

تلك فقرات من خطاب ألقاه سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد خلال مأدبة أقامها على شرف الدكتور عادل إسماعيل، سفير لبنان لدى الاونيسكو في باريس، حضرها عدد من اللبنانيين بينهم المرشحان للرئاسة اللبنانية العميد ريمون اده والشيخ ميشال الخوري.

وهذه الفقرات أوردها الأستاذ ملحم كرم، (نقيب المحررين في لبنان)، في نهاية مقاله، باللغة الفرنسية المنشور في مجلة "الريفي دي ليبان" العدد رقم 1488 تاريخ 4/11 حزيران 1988 بعنوان: "قصة رئاسة – مع المفتي حسن خالد".

وفي المقال المار ذكره فقرات ذات أهمية وخطورة بالغتين تجعلنا نكوّن فكرة عن الواقع السياسي اللبناني وعن الشعور العام السائد لدى اللبنانيين والذي عبّر عنه النقيب كرم بشجاعة أدبية نادرة وبصراحة ما بعدها صراحة.

فيما يلي بعض تلك الفقرات:

"غير أن عدد الذين يؤمنون بإمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية ضمن المهلة الدستورية يتضاءل يوما بعد يوم. وهم يذكرون أخطاء الماضي المتراكمة التي أدت الى غرق السفينة... ان الرشوة تتحكم في كل مكان، وان اقتلاعها صعب..."

" لنتحدّث بصراحة: من منا دفع الضريبة للدولة؟ فلكي نستطيع جناء الأموال، دون دفع الضرائب، وبطرق غير شرعية، فلقد خسرنا الوطن...

"كثيرون منا – بعيدين عن المواطنية النظيفة – امتنعوا عن دفع الغرامات ولجأوا الى مخالفة قوانين البناء، وقانون ضريبة الدخل، ورسوم تسجيل العقارات، والجمارك. ونحن نفاخر بذلك.

"وان الكثيرين منا باركوا الرشوات أو قبلوها بدون خجل، مسهمين، هكذا، في نشوء مجتمع الانحطاط الأخلاقي..

"كثيرون تعاطوا الأعمال السافلة، كائنة ما كانت أشكالها، بغية جناء مكاسب، وبرروا السرقة، جاعلين منها شطارة، ورفعوا الاحتيال الى مرتبة المهارة، والخيانة الى مستوى وجهة نظر...

"وكذلك هم برزوا وجلّوا في لعبة الكشاتبين وفي الانتقال من جبهة الى أخرى.. وأجازوا لانفسهم كل شيء على مذبح المزايدات، مخالفين جميع النصوص، متذرعين بأن القوانين ليست ذات قدسية، فهي مشترعة لخدمتنا، وليس العكس... لقد اشترعها بشر من أجل سعادتنا".

"هنالك راشون مضوا في غلوائهم الى البعيد، فجعلوا من أنفسهم مستشارين للوزراء وللمسؤولين حتى لا يبقى أية خميرة صالحة في لبنان، معتبرين انها فرصة الحياة التي لن تعود مرة ثانية، فمن الافضل استثمارها.. فاملأوا خزناتكم وجيوبكم...".

"فالرئيس، أي رئيس، لن يستطيع شيئا".

"مطلوب رئيس من عالم آخر يعرف كيف يقول لا، ولا يسمح للاعتبارات الشخصية العمياء ان ترتكب التجاوزات، رئيس يضع حدا لكل تدخل يتعارض مع الأخلاق.. لأن اللا أخلاقية كانت سبب الكارثة والانهيار، رئيس يستطيع بناء وطن على صخرة متغلغلة في الأرض، صامد في وجه كل الأعاصير، وشامخ في الأعالي...".

ان من يقرأ هذه الفقرات الواردة في مقال بتوقيع نقيب محرّري الصحف في لبنان، وفي مجلة يملكها ويشرف على ادارتها وتحريرها، إنما يصاب بشيء من الذهول الموشي بخيوط الاعجاب والاكبار.

لقد وضع ملحم كرم اصبعه على الداء فسماه باسمه دون مواربة، بل بشجاعة وصراحة قلّ لهما في دنيا السياسة والصحافة نظير: ان الازمة في لبنان أزمة اخلاق.

رحم الله امير الشعراء القائل:
وإنما الامم الاخلاق ما بقيت           فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وبعد ان جال النقيب وصال، نراه، في نهاية مقاله، يُعلن ما أعلناه، نحن، في بدء مقالنا، نقلا عنه، معرَّبا بشبه حرفيته.
فلماذا انتقل النقيب، في مقاله، من حديث مسهب صريح عن الأزمة الأخلاقية – التي هي، في نظره، سبب الكارثة اللبنانية – الى حديث عن سماحة المفتي حسن خالد، فأورد تلك الفقرات من خطاب سماحته؟

فعندما يعلن النقيب ان لبنان بحاجة الى "رئيس من عالم آخر، رئيس يضع حدا لكل تدخل يتعارض مع الأخلاق"، فهل انه – أي النقيب – يقصد بذلك رئيسا من المريخ أو من القمر أو الزهرة او سواها من الإجرام السابحة في الفضاء الرحب؟

ام انه – يا ترى – يقصد رئيسا من عالم غير العالم السياسي التقليدي الرتيب، ومن غير الذين حكموا لبنان، مباشرة أو بصورة غير مباشرة، فأوصلوه الى الحالة التي باتت معروفة والتي لا توصف بأقل من كارثة؟

في أولئك السياسيين المنتسبين الى قارتنا وعالمنا قال النقيب أقوالا لا تحتاج الى شرح وتفسير، لأنها عنوان الوضوح. وما على إخواني القراء سوى إمعان النظر فيها والتأمل، ليعرفوا إلى أي حد بلغ اللبنانيين ورفضهم لما جرى ويجري.

وليس ملحم كرم، في مقاله، سوى صوت الشعب اللبناني المسكين الذي يتحمل المصائب تلو المصائب، منذ ثلاثة عشر عاما، وهو صامت لا يستطيع البوح بما يدميه ويبكيه.

فإذا صح ان الشاعر كان، فيما مضى، ضمير الأمة، فإن الصحافي، في عصرنا الحاضر، قد أصبح، بدوره، ضمير الأمة وقلبها النابض، بل الناطق بلسانها والمعبر عن آلامها وأحلامها، والصارخ صرخة الحق في وجه الباطل.

في الواقع – وتلك هي، في جوهرها، فكرة النقيب كرم – لسنا في لبنان، بحاجة الى عبقرية: فعندنا منها الشيء الكثير، ولا الى مهارة: فهي بضاعة تملأ السوق، ولا الى شطارة: فبوسعنا ان نصدر منها قناطير مقنطرة..

لسنا بحاجة الى علم وثقافة وذكاء، فنحن في تخمة منها، والحمد لله.

لسنا بحاجة الى إشعاع فكري، فلقد حرقنا الإشعاع بلهيبه.

نحن بحاجة الى أخلاق، الى: "رئيس يضع حدا لكل تدخل يتعارض مع الأخلاق"، الى رئيس يعرف كيف يقول لا، "فلا يسمح للاعتبارات الشخصية العمياء ان ترتكب التجاوزات..".

والتجاوزات ذات مدلول واسع، منها الداخلية، ومنها الخارجية، ومنها السياسية، ومنها المعنوية والأدبية، ومنها المادية الوحولية الغارقة في المستنقعات.. ومنها بيع الوطن.

فأين نجد مثل هذا الرئيس؟

الجواب سهل بسيط: نجده في مدرسة الاخلاق، تلك التي يتخرج منها أولئك الرجال الصالحون الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات، أولئك الذين – اذا حكموا بين الناس – يحكمون بالعدل، ويعملون صالحا، ويتقون الله في عباده، ويعرفون شعار "حب الأوطان من الايمان"، أولئك الذين، على غرار ابي بكر وعمر، يصرخون في الملأ قائلين: "لقد وُليت عليكم ولست بخيركم. فإن رأيتم فيّ اعوجاجا فقوموه بحد السيف".

أمثال أولئك الرجال الذين نذروا انفسهم لخدمة الله وعباد الله.

وبما ان امثال اولئك هم، في الإسلام، رجال دين ودنيا في آن، وليس لهم، على كل حال، صفة الكهنوت، كما هي الحال في المسيحية، فإنه يغدو من الجائز، شرعا وقانونا وواقعا، ان يتولى واحد منهم مسؤولية الرئاسة في لبنان.

ولم لا يكون الشيخ حسن خالد رئيسا عتيدا للبنان؟

فهل ان ايراده، مع فقرات مع خطابه، في خاتمة مقال النقيب، قد جاء وليد الصدفة، ورمية من غير رام، أم ان هنالك ارتباطا وثيقا بين متن المقال ونهايته؟

فمهما تكن نية النقيب كرم فإني، بعد التفكير الهادئ، وبعد التأمل في المقال جملة وتفصيلا، أرشح الشيخ حسن خالد، مفتي الجمهورية اللبنانية، لرئاسة لبنان.

أجل. ذاك هو مرشحي.
فأنا واحد من الشعب اللبناني، ولي، بهذه الصفة، حقّ إبداء الرأي في مثل هذا الشأن الخطير.

وللنواب الإجلاء، على اختلاف أديانهم والمذاهب، أن يأخذوا بهذا الرأي أو أن يلقوا به في سلال المهملات.

فالقرار لهم، أولا وآخرا.

وليس لي عندهم سوى رجاء واحد وحيد: ان يتذكروا ان لبنان يعيش ظروفا استثنائية للغاية، ويعاني، منذ اكثر من ثلاث عشرة سنة، ازمة حادة كادت ان تقضي عليه، وانّ العلاجات التقليدية الرتيبة لن توفر له الشفاء، بل هي تبقى دون أيّ مفعول على الاطلاق.

فالظرف الاستثنائي ينبغي له رجل استثنائي.

وليس المرشح للرئاسة بحاجة الى أيّ برنامج ولا الى اي بيان. ذلك ان لبنان بحاجة الى رجل يكون هو نفسه برنامجا وبيانا في آن.

لبنان بحاجة الى رجل بالمعنى الانساني للكلمة، لا الى برامج وبيانات ووعود وتصاريح.

هو بحاجة الى مؤمن يتحصن بالاخلاق، لا الى فذلكات وشطارات ومهارات ملّها الشعب اللبناني وبات في تخمة منها.

مثل هذا الرجل ينبغي ان يكون "المرشح الوحيد وموضوع اتفاق وطني، فيكون رئيس اجماع، دون منافسين".

"ولسوف يكون الاجماع فعل ايمان بالوطن الموحد".

لقد عرفت الشيخ حسن خالد عن كثب.

وضمتني اليه، فيما مضى، خلوات كثيرة، وتحدثنا في الشأن العام مرارا. فقدّر لي أن المس فيه إيمانا بالله رائعا وراسخا رسوخ الجبال، ومعدنا أخلاقيا صافيا لا تشوبه شائبة، ونزعة الى الخير طبيعية، وسلامة نية وطوية. انه لبنان دون مغالاة، وعربي دون تحدّ، وإنسان تنبع قناعته من آيات الله البينات ومن سنّة نبيه ورسوله.

وليس الميثاق الوطني غير المكتوب بأثر منزل لا يُمس: فليس هو توراة ولا انجيلا ولا قرآنا.

إنه لمن مصلحة لبنان – بل لمن مصلحة المسيحيين، قبل المسلمين، ومن مصلحة الموارنة بصورة خاصة، ان يتولى رئاسة لبنان، في مثل هذا الظرف العصيب الدقيق، رجل كالشيخ حسن خالد، مؤمن بالله وباليوم الآخر، يستوحي أقواله وأعماله من ينبوع الخير والحق والعدالة، ويضع مصلحة لبنان فوق جميع المصالح، ويسعى، بالتعاون مع اللبنانيين الخيرين، الى إيجاد الحلول المعقولة لكل المشاكل الداخلية التي يعانيها هذا الوطن الحزين المقهور.

والشيخ حسن خالد لن يضطلع بمثل هذه المسؤولية التاريخية، ولن يُفلح وينجح، ما لم يلتف حوله اللبنانيون، من كل النحل والملل، ليعاونوه بإخلاص واندفاع، فيضعوا أنفسهم وجميع إمكاناتهم في خدمته، لكي يستطيع بدوره، إنقاذ لبنان.

فيما مضى من الزمن، وعلى وجه التحديد عام 1932، أيام الانتداب، أعلن الشيخ محمد الجسر ترشيحه لرئاسة الجمهورية.

ولقد ايدته نسبة لا بأس بها من الموارنة، وكل له امل كبير بالفوز. غير ان المفوض السامي علق الدستور قبل موعد الانتخابات بثلاثة أيام، لكي يحول دون وصول مسلم الى الرئاسة!

تلك كانت وجهة نظر الاستعمار

ومن جهة ثانية، ينبغي الا ننسى أن لبنان، في وضعه الجغرافي الحالي، هو وليد ارادة الموارنة، بالدرجة الاولى. ان الكتب المتبادلة بين الرئيس الفرنسي كليمنصو وبين البطريرك الماروني الحويك بتاريخ 10/11/1919 تشهد على ذلك. ولقد أصرّ البطريرك – رئيس الوفد اللبناني الى مؤتمر فرساي – على اعادة الاقضية السبعة الى لبنان، مع علمه الاكيد بأن ذلك سوف يؤدي الى تعديل جذري في المعادلة اللبنانية.

في الواقع، قبل انشاء لبنان الكبير، عام 1920، كانت المعادلة الطائفية – المذهبية في لبنان بنسبة ثمانين بالمائة للمسيحيين، يقابلها عشرون بالمائة للمسلمين (سنة وشيعة ودروز). وكان الموارنة وحدهم يشكلون 58% من مجموع الشعب اللبناني.

فإذا بالمعادلة، بعد ضم الأقضية السبعة الى لبنان، تتدنى من 80% الى 55% عند المسيحيين، وترتفع من 20% إلى 45% عند المسلمين (نسبة السنة ارتفعت من 3.5% الى 20% ونسبة الموارنة تدنت من 58% الى 32%)

كل ذلك يعني ان الموارنة لم يشاؤوا، فيما مضى، احتكار الحكم في لبنان، ولا هم رغبوا في الهيمنة والسيطرة، بل أرادوا الحكم مشاركة، والمسؤولية شورى.

ولا ريب عندي ان إخوتي الموارنة ملمون الماماً كافياً بتاريخ لبنان، ذلك التاريخ الذي علمنا إننا، نحن أبناء مارون، عرفنا أبهى عصورنا وأروعها إطلاقا، عندما كان على رأس لبنان حكام من غير طائفتنا وملتنا.

لقد ازدهر ورتعنا في البحبوحة المادية والمعنوية والسياسية في عهد المعنيين، وبصورة خاصة في عهد فخر الدين الثاني الذي لم يكن مسيحيا. وكذلك في عهد الشهابيين الذين لم يعتنقوا الدين المسيحي الا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.

وعندما راح بشير الثالث (الملقب ببوطحين) يتصرف بوحي من مارونيته، فقد أدى ذلك الى سقوطه ونهاية الحكم الشهابي في لبنان، والى احداث مؤلمة ذهب ضحيتها موارنة كثيرون.

وكذلك نعرف – من سجل التاريخ – ان احداث 1860 الموجعة المشؤومة انما وقعت يوم كان لبنان تحت نظام القائمقامتين، ويوم كان على رأس قائمقامية النصارى ماروني من آل ابي اللمع.

أما في العصر الحديث، في الزمن الراهن، فلسنا بحاجة الى التذكير ان المأساة اللبنانية بدأت عام 1975 في ظل رئيس ماروني، وان لبنان وصل الى الحضيض في ظل رئيس ماروني آخر.

فأي ضرر سيلحق بنا وبلبنان اذا ارتضينا رئيسا من غير مذهبنا؟

ولماذا لا نأتي بمثل هذا الرئيس؟ بل لماذا لا نذهب اليه ونلح عليه بالقبول، ونضع جميع امكاناتنا في خدمته لكي ينهض بلبنان وبنا جميعا من هذه الكارثة الرهيبة؟

فإذا كنا، حقا، نريد الامن والسلام والحد من مضاء الحركات والشعارات التطرفية فلسوف نستطيع ذلك من خلال رجل مؤمن عريق اصيل كالشيخ حسن خالد مشهود له بالتسامح والواقعية والنضج الفكري والعمق الانساني، ومتخلق باخلاق الاسلام الصحيح، وبعيد عن الغوغائية والمزايدات، وعن اثارة النعرات والحساسيات، يفهمنا ونفهمه، يحبنا ونحبه، يحترمنا ونحترمه.

فإن فعلنا ذلك نكون، بذات الفعل، قد رددنا المعروف الى اهله، وبادلنا السنة خيرا كانوا السباقين اليه.

ولن نكون بحاجة، في مثل هذه الحال، لا الى تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، ولا الى توسيع صلاحيات رئيس الحكومة، ولا الى محاولات غير مجدية وغير عملية تهدف الى الغاء الطائفية السياسية، ولا الى اية مناورة من هذا النوع او من غيره، لأن العبرة ليست للنصوص بل لما في النفوس.

بكل طيبة خاطر نلقي بلبنان امانة بين يدي الشيخ حسن خالد، لأننا واثقون من انه سوف يعمل بما امر الله في كتابه الكريم:
"ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات الى أهلها". وسوف يرد الأمانة كاملة غير منقوصة، بل سوف يرد الوزنة وزنات.

وفيما بعد، عندما يستعيد لبنان ازدهاره واستقراره، فيعمّ السلام في أرجائه، وتعود الى السلطة الشرعية هيبتها وصلاحياتها، والى الليرة قيمتها وفعاليتها، وتتوارى، الى غير رجعة، جميع القوى الخارجة على القانون، ويصبح لبنان دولة ذات سيادة في كل المجالات، ويسترد نشاطه وعافيته في ميادين الصناعة والتجارة والسياحة والأعمال، عند ذلك يتخلى الشيخ حسن خالد عن الرئاسة طائعا مختارا لرجال السياسة التقليديين الذين سوف يعودون، طبعاً، الى عادتهم القديمة – لكل امرئ من دهره ما تعودا – اي الى الشطارات والمهارات.

وارجو ان يكون واضحا ومفهوما – منعا لكل التباس وسوء فهم – اني لا اقصد القول ان جميع السياسيين والطامحين الى الرئاسة في لبنان معدومو الاخلاق، لا سمح الله، ولا يصلحون لتولي المسؤوليات، بل ما اقصده واؤكده هو ان لبنان قد اصبح في حالة يرثى لها فيما كان اولئك السياسيون يضطلعون بمسؤوليات الحكم، على اختلاف درجاته وانواعه، من رئاسة ووزارة ونيابة وسواها.

فلا بأس عليهم إن هم اخلوا الساح لوجه جديد – "من عالم آخر – لكي يضطلع، بدوره، بمسؤولية الحكم، فيقوم بواجبه نحو هذا الوطن الحزين". ألهمهم الله وهداهم سواء السبيل، انه السميع المجيب.

   القسم السابق رجوع   

جميع الحقوق محفوظة - في حال أردتم إستعمال نص أو صورة من هذا الموقع, الرجاء إرسال خطاب رسمي لمؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد
ارقام تهمك     فهرس الموقع     مواقع تهمك      روابط      من نحن       كفالة الأرامل و الأيتام    إتصل بنا     إدارة المؤسسة