دعوة إلى السلام ناشطة الدعوة إلى السلام في القاعدة الإسلام والسلام طريقنا إلى وقف التسلح النووي للتوصل نحو السلام المبني على العدالة وتعاون جميع الأمم. يشهد الناس في هذا العصر الحديث تطوراً عجيباً للسلاح وتقدماً في نوعه وكمه يذهل كل ذي قلب، ويحمله على التساؤل: لماذا كل هذا العطاء والجهد في هذا المجال؟ وقد بات يدرك كل ذي فكر منصف وبصرنا نافذ حكيم، ان كل ذلك ليس على إطلاقه في مصلحة الإنسان ومجتمعاته، وليس في جانب حضارة العصر ولا في مصلحة الإنسان ومجتمعاته، وليس في جانب حضارة العصر ولا في مصلحة المستقبل المنظور أو البعيد، إذا لم يقولوا إنه في الإجمال، انقلب عاملاً فعالاً وبعيد الأثر في زيادة أطماع بعض الشعوب على حساب البعض الآخر ورفع موجات الكبر والتجبر في نفوسهم، وتسعير ضراوة غرائزهم الفتاكة لمزيد من الابتزاز والعدوان والبطش والظلم والجور ثم في تشجيعهم على إشعال الفتن والحروب وتنويع أساليبها... ولقد تعاظم سباق التسلح بين الدول الكبرى بل والصغرى تعاظماً مخيفاً حتى ظهرت الأسلحة النووية والأسلحة ذات الفعالية في الإبادة الجماعية، واتجهت همم البعض لعسكرة الفضاء الكوني واستخدام النجوم لذلك كأنما أصبح هم هؤلاء وهاجسهم السعي الحثيث لاستعجال هلاك البشرية وتخريب الكون لكثرة ما يقيمونه من التجارب النووية. والمؤسف أن ميزانية بعض الدول في الإنفاق على هذا السباق الخطير في صناعة الأسلحة وتنويعها قد تجاوزت ما هو مخصص لتعزيز مصالح شعوبها الحيوية وتنشيط حركة التنمية الخاصة بالمؤسسات الإنسانية الضرورية . لقد انتعشت الآمال على الأرض، عندما بدا الإنسان خطواته الأولى في الفضاء الخارجي، في أن يضع الفضاء الرحب بحدوده اللامتناهية، حداً لصراع العقائد والمصالح فوق كوكبنا الصغير الذي يكاد يختنق نتيجة استنزاف ثرواته الطبيعية وتلوث بيئته التي بدأت تفقد توازنها ، وكذلك تضاعف عدد سكانه الذي يتجاوز الأربعة مليارات إنسان. لقد بنى الإنسان آماله على أن يعود رواد الفضاء باكتشافات علمية جديدة تنعكس خيراً على بني البشر سواء في ميدان الاتصالات والمواصلات، أو في ميدان معرفة الأحوال الجوية، أو حتى في ميدان تحديد مواقع للثروات المجهولة التي تكتنز بها الأرض والمحيطات، كما راود الإنسان شعور قوي بأن الارتقاء إلى الفضاء الخارجي سوف يؤدي إلى رقي في العقل الإنسان، تصغر معه المشاكل على الأرض، بحيث تتركز التحديات كل التحديات على مواجهة الكون الكبير بأجرامه ومجراته أملاً في معرفة أعمق وأشمل لأسرار الكون بما يخدم أغراض السلام ورسالة الإنسان على الأرض . لكن الذي حدث كان على العكس تمامً ، فقد نقل الإنسان إلى الفضاء كل خلافاته وصراعاته الضيقة، وزرع الفضاء بأجرامه الصناعية التي لا نتطلع بعين العالم الباحث إلى الكواكب، تنقيباً ودراسة، لمعرفة كنهها وأسرارها المثيرة ، ولكنها ترقب كل ما يجري على الأرض من صغائر الأمور وتوافهها. وبدلاً من أن يطور الإنسان مكتشفاته وينميها للحاق بالآفاق المترامية أمامه من العوالم الغامضة، إذا به يوظف هذه المكتشفات في تدمير الذات والعالم من حوله . لقد كنا نأمل أن ندخل عصر اكتشاف النجوم، فإذا بنا في عصر حرب النجوم، كنا نأمل في إيجاد معادلات عبر الأمم المتحدة وهيئاتها المختصة، وعبر التعاون العلمي بين الشعوب والدول حتى يشارك العالم كله في لذة الاكتشاف وفي استعادة المعرفة والاطلاع على غوامض الكون، فإذا بالمشاركة تتحول مشاركة في المصير الأسود الذي يتهدد الإنسانية كلها من جراء عسكرة الفضاء وتحويله إلى قواعد لضرب ما تبقى على الأرض من قيم وحضارة. دعوة إلى السلام ناشطة
ولا ريب أن هذا التوجه الخطر لدى الكثرة من الدول سينتهي حتماً في المنظور القريب أو البعيد إلى دحرجة البشرية كلها نحو عاقبة وخيمة وخاسرة تكون فيها نهايتها الوبيلة. وفي هذه الأجواء الملبدة بالمتاعب والمخاوف لا بد من أن تخفق الأفئدة الحرة، وتتحرك فيها نوازع الخير لتدفع بذوي النوايا الطيبة إلى التفكير بما ينبغي اتخاذه من الخطوات الإيجابية القادرة على وقف نشاطات التسلح واتجاهات الطمع والبغي والعدوان، أو تخفيفها بحيث تكون في حدود مصلحة الإنسان ومجتمعاته كلها . ولا عجب أن تتصاعد في هذا الاتجاه الأصوات الداعية إلى وقف النزاعات بين الدول والممارسات الإرهابية وتدريب وتسليح وتمويل أصناف من الانفصاليين والإرهابيين لإحداث مختلف الضغوط وأتباع أساليب الحصار الاقتصادي والتخريب والمكائد السياسية والإيديولوجية ، كل هذا الذي يرى أثره في العالم كله وخاصةً في أميركا الوسطى وأميركا الجنوبية والشرق الأوسط وجنوب أفريقيا وفي آسيا حيال الدول الصغرى، ثم أن تلح بالبدء بالخطوات الصادقة على صعيد التسلح وذلك بوضع حد لتنامي الأسلحة النووية والتسابق في إنتاجها وإنتاج غيرها من الأسلحة التقليدية واكتساب مواقع النفوذ والسيطرة لتحقيق الأطماع والحصول على الأسواق لكي تنتشر نسائم السلام في الكون وتعكس آثارها الطيبة الرضية في النفوس في كل مكان منه . الدعوة إلى السلام في القاعدة فإن الدعوة إلى السلام هي المبدأ الإنساني الذي لا يجوز أن يغفل عنه كل إنسان يدرك معنى وجوده على ظهر هذه البسيطة ومداه وغايته. فالإنسان في اعتقادنا مخلوق لله رب السموات والأرض وما بينهما، بدأ خلقه من سلالة من ماء مهين وسيرده إليه للحساب. وهو مخلوق ليبقى على ذكر بخالقه وعلى تمجيد له وعبادة صادقة تعكس على حياته ومعاشه ظلال السلام والأرض، وتستل منه في كل حين يكون فيه مهيأ للخروج من هذه الظلال ليؤذي أو يضر عوامل الانفعال ونوازع الإيذاء والأضرار. علماً بأن اله تعالى الذي خلق الإنسان وسوى له الكون ليكون صالحاً وضامناً لأسباب معاشه الكريم، قد أخبره بأنه خلق إلى جانبه كائناً شريراً سيكون دأبه أن يزين له الباطل والشر والمكر وسوء الأعمال ، وان يمهد السبيل أمامه نحو كل ما يثير له مع أخيه الإنسان المتاعب وينزل بساحته الأذى والمصائب، وأنه سوف يسلك إلى كل ذلك عن طريق أهوائه ومطامعه وأنانياته، وقد نهاه الله تعالى عن الخضوع لهذا الكائن الشرير والاستجابة إلى دعواته ، وحذره من عاقبة ذلك في دنياه وآخرته . وقد صحبت هذه الدعوة الناس منذ أن أهبط الله تعالى أباهم آدم مع أمهم حواء من الجنة إلى الأرض واقترنت بها التعاليم السماوية ووصاياها السامية وشرائعها وحدودها. وقد كانت كلها على مر العصور الحصن الذي كان يدفع عن الإنسان ومجتمعاته غائلة الشيطان وما كان يعمل له ولا يزال من أساليب بعث العداوات بين الإنسان وأخيه الإنسان، وتأجيج نيران الحروب بينهما ليقلب حياتهما الرضية إلى شقاء كبير. الإسلام والسلام وقد جاء الإسلام بوحي تنزل من الله تعالى على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ولم يخرج عن هذا المنهج قيد شعره، بل زاد في توضيحه وتثبيته وسرد التوصيات التوجيهات الداعمة له وهي كثيرة ومتنوعة في القرآن الكريم، كتاب الله ودستور المسلمين، نورد منها مقاطع للتمثيل والتوضيح. يقول الله تعالى مذكراً: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ، إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ » . وفي هذا الإطار كرر سرد قصة خلق آدم وموقف إبليس منه ملحاً على إبراز مقابلة إبليس الخطيرة التي تعهد فيها بأن يقعد لذريته بكل صراط، ويثير في وجوههم كل أسباب العداوة والفتنة ويغلب بعضهم عدواً للبعض الآخر، بل عدواً لله. وفي هذا السياق يقول الله تعالى «... لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ » ويقول : « قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ » ويقول : « قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً ، قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا ، وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا ، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً ». وأما التوصيات فقد جاءت كثيرة ومتنوعة في القرآن الكريم كتاب الله ودستور المسلمين نورد منها مقاطع للتمثيل والتوضيح يقول الله تعالى: « يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ » ويقول مذكراً: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ، إِنَّمَا َأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ» .ويقول: «إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا ، إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا ، لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ، وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا ، يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا ، أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا » . ولم يكتف بسرد الوصايا بل عطف عليها الكثير من أخبار الأولين لتكون عبراً للناس يرونها بين أيديهم فيحذرون من السقوط بمثلها ومن ذلك قصة ابني آدم هابيل وقابيل التي يسردها سرداً رائعاً يتخللها الوجيهات والأوامر والنواهي وبيان خطر أتباع هوى النفس فتقول: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ، لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ، لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَلَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ، إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ، فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ، فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ، إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ». وبهذه القصة وأمثالها كشف القرآن ان العلة في انبعاث العداوة بين الإنسان وأخيه الإنسان هي في الأساس في مطامعه المرتكزة إلى أهوائه، وإن الشيطان هو الذي يشجعه على ذلك بما ينفثه فيه من وسوسات، ولذلك فقد أكثر الله تعالى من لفت النظر على خطر الهوى ومن النهي عنه وأرفقه بالتوصية بالتزام حدود العلم والفكر السليم يقول تعالى : «أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا » ويقول: «ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ » ويقول : «بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ » ويقول : «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ ». إن موجة استنكار تكديس السلاح والمسابقة فيه وفي تنويعه حتى بلوغ السلاح النووي وعسكرة الفضاء والمطالبة بإيقافه أو على الأقل الحد منه حتى يبقى في الإطار المقبول الذي يساعد على انتشار ظلال السلام والمودة بين الناس هي ما ينبغي على كل إنسان الاندفاع في تعزيزها ودعمها حرصاً على البقية الباقية من أساليب التعامل البشري التي تمكن من بقاء مظاهر الحياة على الأرض الحافلة بأشكال التعاون والمودة. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المجال والذي ينبغي إبرازه وإبراز الإجابة عليه هو هل أن منع السلاح أو تخفيف إنتاجه واقتنائه أو الإقلاع عن التفنن والاجتهاد في تنويعه يكفي في ضمان عودة مسحة السلام إلى النفوس وعلى الأرض؟ لقد حمل الإنسان في القديم على أخيه الإنسان وبارزه وقاتله وعدا عليه وهيمن حتى صار المبدأ الشائع بين الناس ان القتل أنفى للقتل وإنه لا سبيل لدفع غائلة شر الأشرار وطغيانهم وعدوانهم إلا بشر وطغيان وعدوان مثله، ولما تفنن الإنسان فيما بعد بالسلاح وجعل ينوعه ويكثر منه صار لا بد من تطوير في المبدأ فكانت القاعدة الجديدة التي تقول السلاح أنفى للسلاح . وما دام باعث الشر مستقراً في مكمنه يذر قرنه متى يشاء فتيلة بالأسلوب الذي يقدره ويراه فستبقى حيلة الإنسان قائمة لنجد لها المبدأ بعد المبدأ والقاعدة تلو القاعدة لتبرر لنفسها ما يدفع عنها غائلة شرور الآخرين. ولذلك فإن دعوى ضرر التسلح وخطره التفنن به صحيحة وإن الدعوة الملحة إلى نشر ألوية السلام على ربوع الأرض وعقد المؤتمرات لها شأن هام يتطلب تضافر القوى وتعاون كل الأفكار والجهود حتى تستحكم وتكون ذات الأثر الفعال... ولذلك فإننا نقترح على مؤتمركم تشكيل لجنة من الحقوقيين الدوليين تضم خبراء في علم الاجتماع والفضاء والسياسة تتولى وضع مسودة اتفاق تعرض على الأمم المتحدة لإقرارها ولاعتمادها أساساً ثابتاً لسلامة الفضاء ومن ثم لسلامة الإنسانية ، لقد سبق أن التزمت الدول المتقدمة علمياً وفي مقدمتها الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بتسجيل كل جسم يطلق إلى الفضاء لدى اللجنة الدولية لاستعمال الفضاء في الأغراض السلمية ، التابعة للأمم المتحدة وذلك منذ فبراير شباط 1962. إننا ندرك تماماً انه لا يمكن عملياً رسم خط فاصل بين الاستعمال العسكري للفضاء، ذلك أن مركبة اصطناعية في الفضاء SATELLITE يمكن أن توجه سفينة تجارية في أعالي البحار، كما يمكن ان توجه غواصة تحمل صواريخ نووية. ونحن ندرك كذلك أنه لا يمكن عملياً رسم خط فاصل بين عسكرة الفضاء لأسباب هجومية أو لأسباب دفاعية. إلا أننا ندرك جيداً أنه ما لم يسود القانون والنظام في الفضاء الخارجي على مستوى الإنسانية، وأنه ما لم تتفق كل الشعوب والأمم على اتفاقية تحظر عسكرة الفضاء، فإن الخطر لن ينحصر ضمن دائرة المتصارعين وحدهم، ولكنه سوف يصيب الإنسانية كلها في صميم وجودها. بيد أن الدعوة إلى السلام وتضافر الجهود في تعزيزها وتعاون كل الدول في عقد المؤتمرات لها شيء ونجاح هذه الدعوة شيء آخر... ولكي تنجح هذه الدعوة ينبغي إعادة السبب الأساسي في ظهور العداوات بين الناس وتحولها إلى قتال وحروب، وهو الذي أشرنا إليه من قبل. وإن الدعوة في نظرنا إلى وقف التسلح أو الحد منه ومن تنويعه هي في الحقيقة معالجة ظاهرية لموضوع السلام لا تكاد تلامس في شكل من الأشكال العلاج الصحيح الذي ينبغي التوصل غليه للتمكن من السيطرة على السلاح وعلى من يحملون السلاح أو يصنعونه ويتفننون في صناعته وتطويره وهي كمعالجة البثور الظاهرة على جلد الإنسان المريض بمراهم دون العودة إلى دراسة العلة الحقيقية القائمة في عمق جسد الإنسان والباعثة لتلك البثور. عن علة التسلح هي في نفس الإنسان قبل أن تكون في السلاح ومصانعه وقوانينه التي تنظمها وتنظمه وتنظم التعامل فيه، إنها في طمعه وفي جسده وفي نزوعه الغريزي إلى ترجيح ذاته ومصالحها على ذوات ومصالح الآخرين. ومثل هذه العلة لا تعالج بالأسلوب المطروح اليوم في المؤتمرات التي يتداعى إليها الناس ليشجبوا السلاح وصانعيه وليطلبوا عقد اللقاءات بين أعلى المستويات الدولية لوضع الحلول فيها فقطن وإن هذا الأسلوب سيبقى أسلوباً ظاهراً وقاصراً لا يلامس العلة الحقيقية ولا يوصل إلى الهدف اللهم، إلا إذا لم يكن ثمة من حاجة للوصول إلى ذاك الهدف. إن العلاج أولاً وقبل كل شيء يبدأ بأن يعلم الإنسان كل إنسان، إن السماوات والأرض والإنسان والكائنات كلها مخلوقة الله ثم يؤمن بذلك إيماناً راسخاً : « قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ». ومن هنا يظهر أول العلاج وتلوح بداية العلة، حيث ينبغي ان يؤمن الجميع بأن الله تعالى هو الأول والآخر والظاهر والباطن وإنه على كل شيء قدير، وإن مادة الحياة وعناصرها المتنوعة وظروفها الزمنية والمناخية المختلفة وغيرها أشكال وارتسامات يحركها في العمق ويتحكم بها الله الجليل، الغالب على كل شيء والقاهر فوق عباده. وبعد التعرف إلى المبدأ الأول والإيمان به والتسليم له يفرض الأخذ بتوجيهاته ووصاياه والعمل بكل صدق وإخلاص وبكل الأساليب والإمكانات لإعطائها الصفة التطبيقية ووضعها في الواقع التنفيذي. ومن أهم هذه التطبيقات أوامره تعالى ومجانية كل ما نهى عنه والالتزام الشخصي بذلك أفراداً وجماعات وهيئات ومؤسسات وشعوباً وحكومات والاتصاف الكامل به الطاعة. والذين يستجيبون لهذا النهج هم العقلاء الأصفياء والمفكرون الأماثل الذين يفوزون بالعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة. يقول تعالى: «لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ، أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ، الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ ، وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ، وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ». والذين يؤمنون بالله ويخلصون له ويعملون الصالحات أولئك الذين يلفهم الهدى، وأولئك هم الذين يفوزون بالأمن، ، يقول تعالى: «الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ» ويقول : «الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ » . وهذا كله ليس هدفه صرف الناس عن الحياة وزينتها، أطايبها وعوارضها فهذه أمور خلقها الله لتكون في منال الإنسان، يأخذ منها ما يطيب له مما أحل الله، ويدع منها ما يريد دون أن يكون عليه رقيب أو حسيب، ما دام لا يؤذي أحداً ، ولا يسيء إلى المبادئ والعقائد التي وصاه الله بها . ولكي ليكونوا في تعاطيهم معها في وعي دائم، ِيلزمهم طاعة الله ولا يخرجهم على سخطه وغضبه وليكسبوا محاسن الدنيا وجمالاتها ولا يخسروا رضوان الله ومحبته ومتاع الآخرة الخالد. يقول تعالى:« اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ،سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» . شئت أن أتكلم عن السلام وأضع بين أيديكم بصدق الرؤية الصادقة والناجحة التي أرى أنها تساعد على تحقيقه إلى حد ما في الذات أولاً ثم في المجتمع ، فطرحت عليكم ما لدى من نظرات وهي أفكار موجزة وتوجهات يمكن التوسع بها ودعمها بأدق الوثائق والوقائع عندما يتيسر الظرف لذلك وهي طبعاً لم تتناول موضوع السلاح والأساليب العلمية والسياسية الكفيلة بوضع حد له في كل المجالات سواءً كان في البر أم في الجو، في الثقيل منه أم الحفيف النووي أو التقليدي في الفضاء أم على الأرض ولا تتعرض لهذا لأن الحديث فيه يفرض ان يكون بعد الحديث عن النقاط العقائدية التي طرحتها، وما لم يتوجه الإنسان بقلبه وفكره مخلصاً على الله حريصاً على الالتزام بأمره وبوصاياه، فسيبقى في ذاته حزمة قش مؤهله للاشتعال في كل لحظة أو فتيل بارود مهيأ للانفجار عند أول لمسة نار... فمبدأ وضع السلاح من أي نوع هو طبيعة الإنسان وذاته، وإن منطلق تثبيت السلام هو من عمق قلبه وروحه، وان أول ما نوصي به المؤتمرين هو الأخذ بتعاليم السماء الصافية والإيمان بالله في كل الانقياد والتسليم، وكل النجاة من شرور الحياة ومفاسدها. إننا نهيب بالعملاء والقادة ورجال الفكر والسياسية من مختلف الدول أن يحولوا دون إجهاض أحلام الإنسانية في معرفة الكون والوقوف على أسراره، وأن لا يحولوا حلم المعرفة الرائع إلى كابوس من الخطر الماحق. إننا نناشدهم التفكير الجاد في عظمة الكون وروعته لعلهم بهذه المعرفة يجدون طريقهم إلى الإيمان بالله وبالمحبة والسلام .
|